خطوة أحادية أفضل من اتفاق سيئ مع منظمة إرهابية
المصدر
معهد دراسات الأمن القومي

معهد أبحاث إسرائيلي تابع لجامعة تل أبيب. متخصص في الشؤون الاستراتيجية، والنزاع الإسرائيلي -الفلسطيني، والصراعات في منطقة الشرق الأوسط، وكذلك لديه فرع خاص يهتم بالحرب السيبرانية. تأسس كردة فعل على حرب تشرين الأول/أكتوبر 1973، بقرار من جامعة تل أبيب؛  وبمرور الأعوام، تحول إلى مركز أبحاث مستقل استقطب مجموعة كبيرة من الباحثين من كبار المسؤولين الأمنيين، ومن الذين تولوا مناصب عالية في الدولة الإسرائيلية، بالإضافة إلى مجموعة من الأكاديميين الإسرائيليين، وهو ما جعله يتبوأ مكانة مرموقة بين المؤسسات البحثية. يُصدر المعهد عدداً من المنشورات، أهمها "مباط عال" و"عدكان استراتيجي"، بالإضافة إلى الكتب والندوات المتخصصة التي تُنشر باللغتين العبرية والإنكليزية.

– مباط عال
المؤلف

•أجرت حكومة إسرائيل في نهاية هذا الأسبوع تغييراً مهماً في الاستراتيجية العسكرية حيال "حماس". ففي الأسبوع الرابع من عملية "الجرف الصامد" كان لإسرائيل أربع استراتيجيات بديلة لاستخدام القوة بهدف الوصول إلى أهداف العملية وهي: 1- إنهاء العملية من طرف واحد (مثلما جرى في عملية "الرصاص المصهور" سنة 2009)؛ 2- وقف إطلاق نار متفق عليه والوصول إلى ترتيب (مثلما حدث في عملية "عمود سحاب" سنة 2012)؛ 3- توسيع العملية من الجو والبر ومواصلة الضرب الشديد للجناح العسكري لـ"حماس"- وهذا ما أوصى به كاتب هذه السطور؛ 4- احتلال القطاع وإسقاط "حماس"، وتطهير جذري وطويل للإرهاب في غزة.

•منذ بدأ الحديث عن استراتيجية للخروج من عملية "الجرف الصامد" برز عدم التوافق الجوهري بين موقف إسرئيل و"حماس"، فالمسار الذي سعت إليه إسرائيل كان التوصل إلى وقف القتال أولاً، أي "الهدوء مقابل الهدوء"، ثم بعد ذلك البحث عن ترتيب بوساطة مصرية. في المقابل، قاتلت "حماس" من أجل تحقيق إنجاز استراتيجي هو رفع الحصار عن القطاع، ولم تكن مستعدة للالتزام بوقف للنار قبل أن تتقرر مبادئ التسوية التي ستأتي بعد ذلك.

•وحتى 1 آب/أغسطس 2014 اختار المجلس الوزاري المصغّر في كل نقاش أجراه الاستراتيجية الثانية- استراتيجية التوصل إلى ترتيب مع تبني الاقتراح المصري بوقف النار أو وقف نار إنساني، ثم البحث لاحقاً في القاهرة مع "حماس" في شروط الاتفاق في المدى القصير والمتوسط. لكن يبدو أنه إلى جانب صعوبة الاتفاق مع منظمة إرهابية، وفي ضوء الدروس الإشكالية التي استُخلصت من تعاظم قوة "حماس" تحت غطاء الترتيبات الماضية، لم يكن ممكناً التوصل إلى ترتيب جيد ومعقول في الظروف الاستراتيجية التي يمكن أن تشعر فيها "حماس" بأنها خرجت من المعركة "منتصرة".

•في يوم الجمعة 1 آب/ أغسطس بدأ المجلس الوزاري مداولاته على خلفية الأحداث الدراماتيكية التي حدثت نهاية الأسبوع. فالوضع الإنساني الصعب في غزة وحجم الخسائر زادا حدة النقد الموجه إلى إسرائيل ووضعاها في مواجهة الأسرة الدولية وصديقتها الولايات المتحدة. وكان الأمين للأمم المتحدة بان كي مون ووزير الخارجية الأميركي جون كيري أوضحا لإسرائيل أنه لا بد لها من الموافقة على وقف نار إنساني لمدة 72 ساعة. وساهم انتهاك وقف النار الفظ من قبل "حماس"- الهجوم على سرية من دورية غفعاتي ومحاولة اختطاف الملازم هدار غولدِن- في تغيير إسرائيل موقفها. 

•فانتهاك "حماس" الفظ لوقف النار سمح لإسرائيل بتغيير توجهها الاستراتيجي واختيار بديل يضع الحركة في المدى القصير في وضع استراتيجي صعب. واستعادت إسرائيل الشرعية الدولية لعمليتها وأظهرت "حماس" مرة أخرى كمنظمة إرهابية لا تتمتع بالصدقية وتنتهك للمرة السادسة وقف النار الذي بادرت إليه الأسرة الدولية وقبلت به إسرائيل. لقد قررت إسرائيل حرمان "حماس" من استخدام الفيتو على وقف النار، واستعادت المبادرة وأوضحت أنها لن تجري مفاوضات مع الحركة ولن تمنحها أي إنجاز لا في وقف النار ولا في الترتيبات. وغيرت إسرائيل التوجه القائل بأن مرور الزمن يخدم "حماس" وأدخلت إلى المعركة ميزاتها الاستراتيجية مثل النفس الطويل، والقوة الاقتصادية، والقوة العسكرية، وصمود المجتمع الإسرائيلي الذي لم يرتدع ولم ينكسر برغم الخسائر ووقف بشكل مثير للإعجاب إلى جانب جيشه وحكومته. وخسرت "حماس" قدرتها على التهديد بتصعيد المعركة بعد أن وفّرت إسرائيل رداً عملانياً ممتازاً على نار صواريخها ودمرت أنفاقها الهجومية، وقطعت التواصل بين المناطق حيث كان جنودها عرضة للهجمات والخطف.

•وبذلك تكون إسرائيل بعثت إلى "حماس" أربعة رسائل جعلتها أمام وضع استراتيجي جديد هي:

1- إن جميع المطالب التي من أجلها خضتم المعركة لم تعد مطروحة على جدول الأعمال. وسوف تبقون من دون رفع للحصار ومن دون ميناء ولا مطار ولا إطلاق أسرى ولا إعادة إعمار. ووضعكم اليوم أسوأ بكثير مما كان عليه عشية المعركة. 

2- بقيتم مع غزة مدمرة، ومع أزمة إنسانية ومئات القتلى وآلاف الجرحى وربع مليون لاجئ. وأنتم المسؤولون عن "التسونامي الذي أصاب غزة" ولا تملكون الوسائل للتصدي له. وسف يحاسبكم الجمهور في غزة الذي وعدتموه بإنجازات بعد الحرب ولا تستطيعون تأمينها من خلال تسوية.

3-خلافاً للجولات السابقة، سوف تضمن إسرائيل ومصر منع "حماس" من تعظيم قوتها وبناء قواها العسكرية من جديد. وسوف تقوم مصر بذلك من خلال منع التهريب، وستفعل إسرائيل ذلك بفضل حرية العمل التي احتفظت بها لنفسها من خلال الخطوة الأحادية الجانب التي تتيح لها أن تقرر قواعد اللعبة، والتي من أسسها حق العمل ضد تعاظم قوة "حماس" مستقبلاً.

•إن خطوة إسرائيل الأحادية الجانب تتيح لها مجموعة واسعة من الخيارات. فهي تستطيع مواصلة ضرب "حماس" وإضعافها، وإعطاء فرصة لوقف إطلاق  النار وفرض هدوء طويل الأمد، كما تسمح ببلورة تعاون دولي لمعالجة ملف غزة، والتوصل إلى تفاهمات وتسويات عبر المصريين مع السلطة و"حماس". ولا يمكن لهذه الخطوة الأحادية الجانب أن تنجح من دون التنسيق الجيد مع الولايات المتحدة ومصر. ويستند التنسيق مع مصر إلى العداء المشترك ضد "حماس" والرغبة في إضعافها وإحلال سلطة بديلة لها في حكم غزة. 

•أما التنسيق مع الولايات المتحدة فسيكون مشروطاً باستعداد إسرائيل في المدى القصير السماح بالمساعدة في حل الأزمة الإنسانية، وفي المدى المتوسط باستعدادها للتقدم في مسار سياسي. 

•ثمة تداخل مصالح عميق ين إسرائيل والولايات المتحدة وتفاهم على ضرورة عدم السماح لـ"حماس" بتحقيق إنجازات، وتشجيع الفلسطينيين على عدم تبني استخدام الإرهاب وإضعاف الحركة وصولاً إلى استبدالها بنظام أكثر اعتدالاً.

•إن الخطوة الأحادية الجانب التي تضمنت الميزات التي تحدثت عنها أعلاه، هي خطوة للمدى القريب والمتوسط. وسيكون اختبار نجاعتها من خلال قدرة سكان غلاف غزة على العودة إلى بلداتهم. وبعد أن يتبدد غبار المعركة وتتضح التوجهات الاستراتيجية، سيكون من الأفضل درس تسوية مختلفة. ويجب علينا مستقبلاً درس إمكانية التوصل إلى تسوية "جيدة" تمنع تعاظم قوة "حماس" وتشترط إعادة إعمار غزة بنزع سلاحها. عندها يمكن تجاوز الخطوة الأحادية التي هي أفضل من "التسوية السيئة" التي تسعى إليها "حماس" حالياً.