"الجرف الصامد" أهداف العملية البرية المحدودة
المصدر
معهد دراسات الأمن القومي

معهد أبحاث إسرائيلي تابع لجامعة تل أبيب. متخصص في الشؤون الاستراتيجية، والنزاع الإسرائيلي -الفلسطيني، والصراعات في منطقة الشرق الأوسط، وكذلك لديه فرع خاص يهتم بالحرب السيبرانية. تأسس كردة فعل على حرب تشرين الأول/أكتوبر 1973، بقرار من جامعة تل أبيب؛  وبمرور الأعوام، تحول إلى مركز أبحاث مستقل استقطب مجموعة كبيرة من الباحثين من كبار المسؤولين الأمنيين، ومن الذين تولوا مناصب عالية في الدولة الإسرائيلية، بالإضافة إلى مجموعة من الأكاديميين الإسرائيليين، وهو ما جعله يتبوأ مكانة مرموقة بين المؤسسات البحثية. يُصدر المعهد عدداً من المنشورات، أهمها "مباط عال" و"عدكان استراتيجي"، بالإضافة إلى الكتب والندوات المتخصصة التي تُنشر باللغتين العبرية والإنكليزية.

– مباط عال

•قرّرت حكومة إسرائيل توسيع عملية "الجرف الصامد" في غزة- والانتقال إلى المرحلة الثانية- من خلال السماح ليل 17-18 تموز/يوليو ببدء عملية برية محدودة. والهدف المباشر هو معالجة الأنفاق الهجومية التي حفرتها "حماس" على الحدود بين القطاع وإسرائيل. وبعد هذا القرار، من المتوقع أن تستمر المعركة حتى تحقيق أهدافها وهي أولاً: "إعادة الهدوء لفترة طويلة من خلال توجيه ضربة قوية إلى حماس والتنظيمات الإرهابية". في هذه المرحلة تنحصر العملية ضمن نطاق قطاع ضيق- عرضه نحو 1000 متر يمتد على طول السياج الحدودي الذي يفصل بين القطاع وإسرائيل، حيث تقوم طواقم قتالية مشتركة بين سلاح المشاة والمدرعات والهندسة لتحديد مكان الأنفاق الهجومية وتدميرها. أما الهدف الثاني فهو الاحتكاك مع أعضاء "حماس" وتكبيدهم خسائر. ويبدو أن هدفي العملية المحدودة قد تحققا، فقد عثر على عدد كبير من الأنفاق ويجري الآن تدميرها. أما الاحتكاك مع قوات "حماس" في هذه المرحلة، فما يزال محدوداً لأن الحركة تستخدم حرب العصابات وتمتنع عن المواجهات المباشرة مع القوات الإسرائيلية وتفضل استخدام قواتها الهجومية عن بعد. لكن على الرغم من ذلك، فقد أصيب العشرات من الأعضاء أو اعتقلوا، في حين ما تزال خسائر الجيش الإسرائيلي قليلة جداً.

•مستفيدة من دروس المواجهات السابقة المشابهة، وضعت حكومة إسرائيل منذ بداية المواجهات الحالية أهدافاً محدودة للمعركة. فكان الهدف الأول التوصل إلى وقف إطلاق نار ثابت يصمد لفترة طويلة من الزمن من خلال تعزيز الردع في مواجهة "حماس". وكان الافتراض أنه يمكن تحقيق هذا الردع من خلال اعتراض الصواريخ التي تطلق في اتجاه المراكز السكانية في إسرائيل، والنجاح في إحباط هجمات "حماس"، والحؤول بهذه الطريقة دون وقوع إصابات وأضرار كبيرة في الجانب الإسرائيلي. في موازاة ذلك، كان المطلوب تحقيق الردع  أيضاً من خلال تدفيع "حماس" والتنظيمات الأخرى ثمناً باهظاً، وتدمير بناها التحتية. أما الهدف الثاني فكان توجيه ضربة قوية إلى قدرات "حماس" العسكرية انطلاقاً من افتراض أنه في ظل تغير سياسة مصر حيال الحركة وتدمير أنفاق التهريب على الحدود بين القطاع وسيناء، فسيكون من الصعب على هذه التنظيمات ترميم قدراتها العسكرية لوقت طويل. وحاولت إسرائيل الامتناع عن القيام بعملية برية خوفاً من العودة مجدداً إلى القطاع واحتمال تعقد الأمور، وإدراكاً منها بأن الدخول في مواجهات مباشرة مع أعضاء "حماس" ستؤدي إلى تكبّد الجيش الإسرائيلي خسائر بشرية، وخوفاً من المس بصورة واسعة بسكان غزة الذين لا علاقة لهم بالقتال الدائر. وكانت إسرائيل مستعدة من أجل تثبيت وقف النار لاتفاقات وترتيبات تؤمن حياة طبيعية أكثر في قطاع غزة، مثل فتح المعابر بصورة أكثر انتظاماً وتقديم المزيد من التسهيلات في مجال الصيد ودخول البضائع.

•لكن تحقيق هذه الأهداف المحدودة اصطدم بصعوبات لأن المصلحة المصرية- الوسيط الأساسي- كانت تقضي بمنع "حماس" من تحقيق إنجازات، في حين كانت الحركة غير راضية لكون مصر هي الوسيط الأساسي، إذ لا تثق الحركة بالرئيس السيسي، ولذا سعت إلى الحصول على ضمانات خارجية من أجل تحقيق تفاهمات، وفضلت وساطة قطر وتركيا. وكانت إسرائيل في المقابل مستعدة للقبول فقط بالوساطة المصرية ونجحت في إقناع الولايات المتحدة بتبني وجهة النظر هذه. وقد رفضت "حماس" المبادرة المصرية لوقف النار ورأت فيها محاولة لإضعافها وإذلالها، وواصلت إطلاق الصواريخ في اتجاه إسرائيل واستمرت في محاولاتها القيام بهجمات استراتيجية بما فيها التسلل إلى إسرائيل من طريق الأنفاق الهجومية، وفضلت إجراء مفاوضات تحت النار لتحقيق الحد الأقصى من المكاسب من المواجهة.

•لقد بادرت "حماس" إلى التصعيد شعوراً منها بأنها في ظل الأزمة التي تمر بها - العزلة السياسية والإفلاس المالي- ليس لديها ما تخسره، وهي قادرة من خلال قدرتها على الإيذاء، على تحسين وضعها ومكانتها داخل المعسكر الفلسطيني وفي مواجهة مصر وإسرائيل والعالم العربي. ومنذ بداية المواجهة ارتكزت اسراتيجية "حماس" على افتراض أن هدف إسرائيل ليس تقويض سلطتها في القطاع خوفاً من أن البديل عنها سيكون الفوضى مما يجعل الأطراف الراديكالية والجهادية تحظى بحرية أكبر. وفي تقدير قيادة "حماس" أن إنجازاتها- السياسية والعسكرية- يمكن أن تكبر كلما استمرت في إطلاق الصواريخ قبل الموافقة على وقف النار، وتعتقد أن تفوقها الوحيد على إسرائيل يكمن في الصبر والقدرة على الصمود. وهكذا اختارت "حماس" بدء المفاوضات على وقف النار بطرح مطالب جارفة- إطلاق المعتقلين في عملية "عودة الإخوة" ["عودة الأبناء"] في مناطق يهودا والسامرة [الضفة الغربية]، توسيع استخدام المعابر بين القطاع وإسرائيل، وفتح معبر رفح مع مصر، وتوسيع نطاق الصيد البحري حتى بعد 12 ميلاً عن الشاطئ، وإقامة مرفأ بحري ومطار في قطاع غزة، وتحويل أموال رواتب موظفي القطاع العام لدى الحركة وغيرها.

•عندما اتضح لإسرائيل صعوبة التوصل إلى وقف للنار وأن "حماس" تكيفت مع نمط الجيش الإسرائيلي في مهاجمة أهدافها، ونشوء انطباع بوجود تعادل في القتال من دون قدرة على الحسم، برزت الحاجة إلى الانتقال إلى مرحلة المناورة البرية داخل مناطق القطاع. وتسعى إسرائيل، إلى جانب هدف ضرب أنفاق الإرهاب والاستعداد للمرحلة المقبلة من العمليات البرية الموسعة، إلى اخراج "حماس" من حالة التعادل، وأن توضح لها أنها ضعيفة وأن لديها ما تخسره ومن الأفضل لها الاستجابة للاقتراح المصري والموافقة على مبادئ وقف النار والحل الذي سيعقبه. 

•لا يهدف الدخول البري إلى احتلال القطاع في هذه المرحلة، بل خوض معركة محدودة ومحاولة جباية ثمن باهظ من "حماس" من دون التورط في وجود دائم في القطاع. لذا تهدف العملية البرية إلى تنظيف منطقة أمنية- محاذية للسياج- من الأنفاق الهجومية ومن المخاطر الأخرى والإعداد لمنطقة أمنية خاصة خالية من البنى التحتية والنشاطات الإرهابية.

•تمتاز العملية البرية في إطارها الحالي بعدد من الميزات: 1- هي تقضي بصورة كبيرة على خطر الأنفاق؛ 2- تشكل السيطرة المحدودة على عمق 3 كيلومترات وراء السياج الحدودي ورقة مقايضة في يد إسرائيل لمواصلة المفاوضات على وقف النار ومبادئ التسوية؛ 3- تسمح لإسرائيل بتنظيف وإعداد المنطقة المحاذية لخط السياج في القطاع لمرحلة ما بعد وقف النار، بحيث تصبح منطقة أمنية خاصة خالية من العمليات الإرهابية مع مراقبة للنشاطات المدنية، مما سيسهل على إسرائيل منع بناء الأنفاق، ومنع العناصر الإرهابية من استغلال الاحتكاك عن قرب من أجل مهاجمة القوات العاملة بالقرب من الجدار؛4- الانتشار عسكرياً بصورة تسمح لها باختصار عملية الدخول إلى المناطق المبنية ولا سيما مناطق إطلاق الصواريخ المتوسطة والطويلة المدى من القطاع نحو الجبهة الداخلية في إسرائيل.

•على الرغم من ذلك، فإن القوات التي دخلت إلى القطاع ستكون عرضة لأنفاق مفخخة وعبوات وكمائن مضادة للمدرعات وإطلاق النار، ويجب الاستعداد لمواجهة تركيز "حماس" هجماتها على قوات الجيش الإسرائيلي مع الاستمرار في إطلاق الصواريخ من أجل تغيير ميزان الخسائر. 

•في ظل هذه الظروف، فإن العملية الحالية لن تؤدي إلى تركيع الحركة ولا سيما جناحها العسكري المتشدد خلال وقت قصير، وإلى دفعها للموافقة على الاقتراح المصري لوقف النار حتى بعد إدخال بعض التغييرات التجميلية عليه. ويجب أن نستعد لمواجهة وضع ستواصل فيه "حماس" القتال انطلاقاً من أنه ليس لديها ما تخسره، وأنه بالنسبة لإسرائيل لا بديل من سلطة "حماس" وهي تفضل عنواناً مستقراً يستطيع فرض إرادته على منطقة القطاع.

 

•يستنتج مما سبق خلاصتان، الأولى هي: كي تدرك "حماس" أن وقف النار أفضل من استمرار القتال يجب على زعائمها وقادتها الكبار أن يشعروا بأن الحلقة تضيق من حولهم وأن القوات الإسرائيلية بصدد التقدم في اتجاههم، ومعنى ذلك تعميق التوغل البري إلى المناطق المبنية في القطاع. أما الخلاصة الثانية فهي أنه ليس في إمكان إسرائيل أن تمتنع عن اقتراح رزمة من التسهيلات المحصورة بالمستوى المدني، مع التشديد على توسيع العمل في المعابر وفتح معبر رفح (وهو أمر منوط بموافقة مصرية)، ويمكن أن تعرضها "حماس" في نهاية المعارك بصفتها إنجازات لها.