•بالأمس دخلت الاتصالات لوقف النار مرحلة جدية وعملية، لكن، وبالمفارقة، صارت العملية البرية للجيش الإسرائيلي ضد غزة أقرب من أي وقت مضى. ويبدو أن هذه الخطوة أمر لا مفر منه. والسبب أن "حماس" تحاول بكل قوتها أو بالأحرى بما بقي لها من قوة، القيام بإنجاز عسكري قد يؤدي في حال حدوثه إلى مقتل مدنيين إسرائيليين وربما جنود. وهذا كان هدف عملية التسلل الكبيرة عبر النفق التي أحبطت هذه الليلة بالقرب من كيبوتس صوفه.
•تشكل عملية التسلل هذه محاولة إضافية من جانب "حماس" لترميم صورتها العسكرية وقدرتها على المقايضة في المفاوضات. فقد حاول عدد كبير من المخربين، نحو 13 شخصاً، التسلل عبر نفق يجتاز السياج في مقابل الكيبوتس للقيام بهجوم كبير أو خطف جنود ومواطنين. ولو نجحت المحاولة كانت غيّرت وجه المعركة برمّتها.
•ولحسن الحظ، فإن الاستخبارات العسكرية بمساعدة الشاباك حذرا من العملية، وكانت القوات الإسرائيلية في انتظار المتسللين ونجحت في إحباط التسلل. لكن خطر الأنفاق لم ينته، بل برز بوضوح. لقد كان الجيش الإسرائيلي على علم بوجود نفق كبير أعدته "حماس" لقيام قوة كبيرة بهجمات في منطقة كرم سالم. وكشف أمر هذا النفق. لكن يبدو اليوم أن هناك شبكة أنفاق وتفرعات لها بحجم لا نعرفه، من بينها النفق الذي جرى إحباط عملية التسلل منه فجر اليوم. والسؤال المطروح ما هو عدد الأنفاق الموجودة؟ يبدو أنه لا يمكن الإجابة عن هذا السؤال من دون اجتياز السياج الحدودي والدخول إلى غزة.
•لا يمكن لأي قائد سياسي أو عسكري مسؤول أن يقبل بأن تكون الكيبوتسات الموجودة في غلاف غزة معرضة للخطر الدائم الذي تمثله الأنفاق، حتى بعد التوصل إلى اتفاق تهدئة. لذا، فإذا كان الثلاثي نتنياهو- يعلون- غانتس غير متحمس للدخول البري، لم تعد أمامه مشكلة، فقد حلت "حماس" تردّده.
•بالأمس تحدث رئيس الحكومة عن تجريد غزة من الصواريخ البعيدة المدى. وهذا الموضوع أصبح موضع اهتمام اليوم أكثر من أي وقت مضى، ومن المحتمل أن يطرح منذ الآن في المفاوضات التي بدأت في القاهرة. لكن هذا الأمر لن يتحقق من خلال المفاوضات. فالمطلوب اليوم إحداث تغيير كبير في الوضع العسكري على الأرض كي تفكر "حماس" بالاستجابة إلى هذا المطلب.
•إن وفدي إسرائيل و"حماس" موجودان اليوم في القاهرة. والهدنة الإنسانية خمس ساعات تبدأ من العاشرة صباح اليوم. لكن المطالب التي قدمتها "حماس" بالأمس غير واقعية، ليس فقط من وجهة نظر إسرائيل ولكن من وجهة نظر مصر أيضاَ، ولا سيما مطلب فتح معبر رفح 24 ساعة يومياً بضمانات دولية.
•بصورة عامة، تبدو "حماس" في أسوأ وضع شهدته في تاريخها. ويلاحظ الجيش الإسرائيلي تزايد الإحساس بالمرارة وسط الجمهور في غزة ضد الحركة. وعندما يخرج زعماء الحركة من تحت الأرض سيشاهدون الدمار وستختلف نظرتهم إلى الوضع. ومن الواضح اليوم أن مهمة المفاوضين المصريين ستكون صعبة، ونأمل أن تفشل مبادرة قطر وتركيا لوساطة بديلة.
•وفي الواقع، فإن من يضع اليوم العصي في دواليب مفاوضات الوساطة هو جون كيري الذي كعادته مليء بالنيات الطيبة والحماسة، والذي يشجع القطريين والأتراك على التوسط، لكن من دون أن يوفق مرة أخرى، لأن الأطراف المشاركة في التهدئة بصورة متساوية ليست فقط إسرائيل و"حماس"، فهناك كذلك مصر وأبو مازن. أما قطر وتركيا فغير مرغوب بهما في هذا المربع.