ضعف المعارضة السورية وخطر داعش يدفعان الولايات المتحدة إلى التعاون غير المباشر مع نظام الأسد
المصدر
هآرتس

من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".

المؤلف

•أوضح الرئيس باراك أوباما في مقابلة مع شبكة "سي. بي. أس." جوهر عدم وجود سياسة له حيال سورية فقال: "إن الافتراض القائل بأن المعارضة قادرة على إسقاط نظام الأسد ومحاربة الجهاديين المدربين جيداً، لو أرسلنا لهم القليل من السلاح، وهم". ويبدو أن أوباما على حق، فشحنات "قليلة من السلاح" إلى المعارضة المعتدلة لن تساعد، لكن ليس هذا ما كانت تطالب به المعارضة السورية، فهي كانت تطالب بسلاح نوعي مثل صواريخ مضادة للدبابات وصواريخ مضادة للطائرات.

•وقبل عامين ونصف العام طالبت المعارضة السورية بتدخل عسكري أو على الأقل إقامة منطقة حظر للطيران للدفاع عن اللاجئين وعن المناطق التي سيطرت عليها. كما طلبت أن ينفذ أوباما تهديده بمهاجمة النظام إذا تبين أن الأسد استخدم سلاحاً كيميائياً. 

•لكن جميع هذه المطالب تعثرت في مبنى الأمم المتحدة التي تسيطر عليها روسيا والصين، كما اصطدمت بجدران البيت الأبيض الذي شهد خلافات قوية بين وزارة الخارجية التي أيدت تدخلاً عسكرياً والبنتاغون الذي عارض ذلك. فقد كان هناك مَن تخوّف من نشوب حرب إقليمية قد تكون إيران شريكة أساسية فيها، وفي المقابل كان هناك من رأى جريمة جماعية حصدت أكثر من 160 ألف قتيل وحولت أكثر من 3 ملايين شخص إلى لاجئين ونازحين.

•إذا كانت الولايات المتحدة قبل بضعة أسابيع مشغولة في اختيار "التنظيمات المعتدلة" التي يمكن التعامل معها، فاليوم لا يبدو هذا مهماً، فالخيارات أصبحت ضيقة.

•لقد أصبح الخيار في سورية هو بين التأييد الجارف للأسد أو عدم الاهتمام. أما في ما يتعلق بالعراق، فالخيار هو بين الضغط على نوري المالكي رئيس الحكومة العراقية من أجل تشكيل حكومة وحدة وطنية تمنح السّنة حصة ملائمة في الحكم، والتصريحات الجوفاء ضد داعش. إن الهجوم الذي قام به سلاح الجو السوري على العراق وأدى إلى مقتل 57 مدنياً، يوضح جيداً توجه الأسد. فهو يريد أن يثبت للغرب وخاصة للولايات المتحدة أنه الزعيم الوحيد القادر على التصدي للمتشددين. وهو بالمقارنة مع الغرب لا تقيده قيود سياسية، وإيران والعراق يتطلعان إلى القضاء على داعش، ولكن خلافاً للأسد، لا يريدان التورط أو التسبب بحرب طائفية.

•صحيح أن إيران أرسلت وحدات صغيرة إلى العراق، لكنها ستمتنع عن الدخول في حرب جبهوية ضد السكان السّنة. لقد ثبت ضعف الجيش العراقي، وهو سيكتفي في المرحلة الحالية بالدفاع عن بغداد وعن المناطق الشيعية في الجنوب. وبالأمس أوضح المالكي: "لم نطلب الهجوم السوري لكننا نرحب به". ويبدو الأسد حلاً معقولاً حتى في نظر الولايات المتحدة. وهكذا ينشأ التعاون غير الرسمي مع إيران من دون أن تضطر واشنطن إلى إعلان أي تغيير في سياستها.

•على الأرض تتطور ظاهرياً حقيقة مرعبة حيث تظهر داعش كأنها تحتل دول عربية وتقوم بوضع أسس دولة من دون حدود، لكن الحقيقة تختلف قليلاً. ففي سورية تسيطر داعش على أجزاء من شرق سورية، وهذا الأسبوع استكمل التنظيم سيطرته على معبر الحدود بين العراق وسورية بالقرب من مدينة البوكمال. وبذلك يحكم قبضته على جميع نقاط العبور بين الدولتين.

•في سورية وعلى عكس العراق، يتعاون تنظيم داعش مع النظام ويبيعه النفط من الآبار التي يسيطر عليها في دير الزور. وداعش في سورية يقاتل الميليشيات الإسلامية الأخرى التي لا يستطيع الأسد القضاء عليها، مثل جبهة النصرة التي تنتمي رسمياً إلى القاعدة.

•حتى أواخر أيار/مايو، خاض داعش حرباً شرسة ضد جبهة النصرة، وجميع المحاولات لمصالحة التنظيمين باءت بالفشل. وفي هذا الأسبوع أعلنت جبهة النصرة في البوكمال مبايعة داعش في المدينة، واتفق الطرفان على أن تسيطر داعش على الجانب العراقي من المدينة وجبهة النصرة على الجانب السوري. لكن ليس من المؤكد أن هذا الاتفاق يسري على فصائل جبهة النصرة في جميع الجبهات أم لا.

•ما سبق لا يعدو كونه نموذجاَ عن فوضى الميليشيات الإسلامية التي يتعاون جزء منها مع الجيش السوري الحر الموجود في بعض المناطق، لكنه لا يستطيع السيطرة على مناطق جديدة. لذا، فمن غير المستغرب أن لا تنجح الولايات المتحدة في العثور على ميليشيا واحدة قوية قادرة على إطاحة الأسد. وحتى المعارضة السياسية التي تعمل خارج سورية، فإن أوضاعها سيئة وهي على حافة الانفجار، ففي نهاية هذا الشهر ينهي رئيس الائتلاف الوطني لقوى المعارضة أحمد الجربا ولايته. والخلافات الداخلية على من يحل محله أدت إلى تراشق علني للاتهامات بين ممثلي الحركات التي يتشكل منها هذا الائتلاف.

•في واشنطن برزت أصوات تدعو إلى قيام ائتلاف سياسي بين الولايات المتحدة وإيران والعراق وسورية وروسيا ضد داعش. واستناداً إلى تقارير مختلفة، فهناك تعاون استخباراتي بين إيران والولايات المتحدة على الرغم من معارضة إيران التدخل العسكري [الأميركي] في العراق، لكن الحرب في سورية أخذت تبدو هامشية وأقل خطورة من الحرب في العراق. وفي العراق أوضح عدد من زعماء العشائر السّنية أنهم على استعداد لمقاتلة داعش والقضاء عليها إذا تشكلت حكومة جديدة. وقد بدأت، بحسب تقارير واردة من العراق، معارك عنيفة في اليومين الأخيرين بين أبناء العشائر في شمال الأنبار وبين قوات داعش نجح خلالها أبناء العشائر في قتل قائد داعش في الأنبار.

 

•إن تنكر العشائر لداعش هو الفرضية التي تبني عليها الولايات المتحدة خطواتها السياسية من أجل ليّ ذراع المالكي قبل تشكيل حكومته في مطلع تموز/يوليو. حتى الآن يرفض المالكي الضغوط، لكن من المحتمل أن يجعله الضغط الإيراني يستجيب للمطالب. والسؤال الذي يُطرح هو فيما إذا كانت الولايات المتحدة، تريد أو تستطيع تغيير استراتيجيتها، وبدلاً من دعم المعارضة السورية و"التنظيمات المعتدلة" تتجه نحو التحاور من جديد مع الأنظمة في سورية والعراق وإيران؟.