من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".
•قبل سنوات عدة، أي منذ عشرين أو ثلاثين عاماً، كانت هناك جبهة شرقية، وكانت إسرائيل معرضة لخطر استراتيجي من الشرق. كان البعث العراقي المعادي والبعث السوري، على رأس دولتين حديثتين لديهما جيشان عصريان وعدد كبير من الجنود والدبابات والصواريخ. وفرض الخوف من حرب من الشرق أو من الشمال الشرقي على إسرائيل، إنشاء جيش قوي، والعيش في حالة من اليقظة الدائمة، والاحتفاظ بالأراضي المشرفة على غور الأردن وبهضبة الجولان.
•لكن خلال العقود الأخيرة اختفت الجبهة الشرقية. في البداية، ضرب بوش الأب العراق، ثم فككه بوش الابن. أما الجيش السوري ففي البداية علاه الصدأ، ثم ما لبث أن انهار.
•لقد حمل الربيع العربي معه رياح التحرير والأمل. وتخيل كثيرون من أصحاب النوايا الحسنة أن إسرائيل لم تعد بحاجة إلى جيش كبير ومناطق، أو أن تعيش في حالة استعداد. وحلّ محلّ الخوف من الحرب المقبلة الذي ترك أثره العميق في حياتنا، شعور بالراحة والاقتناع بأن وضعنا هو الأفضل منذ وقت طويل.
•لكن الأشهر الأخيرة شهدت تغييرات دراماتيكة في الشرق. فالانتعاش النسبي للنظام الموالي لإيران في سورية، والنفوذ المتزايد لإيران في بغداد وتعاظم القوة العسكرية لحزب الله، كل ذلك أدى إلى نشوء محور شيعي– راديكالي قوي جداً. في المقابل، حملت الظاهرة المفاجئة المتمثلة بـ"الدولة الإسلامية في العراق وسورية" إلى مسرح الأحداث قوى سنية متشددة ووحشية لم نعرفها من قبل. لم يعد هناك وجود لدولة قومية عربية في الشرق ولا لجيش عربي قوي، بل هناك فوضى عارمة.
•إن الضعف الداخلي للقومية العربية، والحماقة المستمرة للسياسات الأميركية، أديا إلى انهيار النظام الإقليمي. وحل محل الجبهة الشرقية القديمة، جبهة شرقية جديدة تتّسم بعدم الاستقرار والغموض.
•لا تشبه الجبهة الشرقية الجديدة الجبهة القديمة أبداً. ولن تشهد العقود المقبلة حرب غفران [حرب أكتوبر 1973] جديدة. ولن تجتاز جيوش عربية نظامية الحدود، ولن تجتاح دبابات سورية هضبة الجولان. لكن الجمع بين السلاح المتطور وجيوش- إسلامية، يمكن أن يؤدي إلى اضطرابات إقليمية قد تقترب من حدودنا.
•هنا تكثر الأسئلة وعلامات الاستفهام مثل: ماذا سيكون مصير الأردن؟ وهل سيتحول وسط العراق وجنوب سورية إلى أفغانستان جديدة؟ وهل سيتحول قطاع غزة إلى صومال؟ وماذا ستكون نتائج وجود مناطق واسعة ليس فيها سلطة دولتية واضحة وسيادة واضحة؟
•ثمة أمر وحيد واضح هو أن الخطر الذي تتعرض له إسرائيل في المرحلة الجديدة هو خطر مزدوج. فهناك من جهة تحوّل إيران إلى قوة عظمى مسيطرة تستغل انهيار القومية العربية المعاصرة لتزداد نفوذاً؛ وهناك من جهة أخرى لاعبون متشددون غير دولتيين، من المستحيل التوصل معهم إلى سلام، ومن الصعب جداً ردعهم.
•إن التغيير العميق في الشرق يطرح تحدياً على اليسار الإسرائيلي، ففي الظروف الاستراتيجية الحالية من الصعب جداً الانسحاب من غور الأردن، ومن المستحيل الانسحاب من هضبة الجولان. والذين اعتقدوا أنه لم تعد هناك حاجة إلى جيش إسرائيلي قوي وإلى الحذر الاستراتيجي، خاب أملهم. لكن التغيير في الشرق يطرح تحدياً على اليمين الإسرائيلي أيضاً، لأن إسرائيل كدولة احتلال واستيطان، لن تحظى بالشرعية الدولية المطلوبة من أجل الدفاع عن نفسها في وجه الأخطار الجديدة. واليوم أكثر من أي وقت مضى تؤذي المستوطنات الأمن القومي.
•إن العاصفة الإقليمية تجعل من الصعب تحقيق سلام إسرائيلي- فلسطيني، لكنها تفرض تقدماً في المسار الإسرائيلي- الفلسطيني. والمطلوب هو رؤية سياسية جديدة قادرة على التعامل بشكل إبداعيّ مع الواقع المعقد، من خلال السعي إلى تحالف حقيقي بين الدولة اليهودية الديمقراطية والدول العربية السنية المعتدلة.
•ليس في وسع اليمين ولا اليسار ولا الحكومة ولا المجتمع المدني، مواصلة تجاهل النتائج العميقة لما يحصل من حولنا. فالشرق الذي حولنا شرق جديد بالفعل، وهو يتطلب منا تفكيراً جديداً واضحاً متحرراً من أي رؤى قديمة.