· ما إن وصل المبعوث الأميركي الخاص لمحادثات السلام، مارتين إنديك، إلى واشنطن في نهاية الأسبوع، حتى وقف على المنصة، وألقى على إسرائيل اللوم متهماً إياها بإفشال المفاوضات مع الفلسطينيين. وكرر المعزوفة الفلسطينية، التي تقول إن خطط البناء الإسرائيلية وعدم إطلاق الدفعة الرابعة من المخربين هما اللذان دفعا، إذا جاز التعبير، أبو مازن إلى التوجّه، على نقيض ما هو متفق عليه، إلى 15 منظمة دولية، على الرغم من عِلمه [مارتن إنديك] أن الفلسطينيين أنفسهم اعترفوا، بحسب وثائق رسمية تسرّبت إلى وسائل الإعلام، بأنهم اتخذوا هذه القرارات المذكورة أعلاه مسبقاً.
· وحاول إنديك أن تكون تصريحاته متوازنة، فقال إن "الطرفين غير مستعدين لتقديم حلول وسط مؤلمة"، لكنه نسي أن يذكر أنه بينما كانت إسرائيل مستعدة للتنازل عن قسم كبير من ترابها [أراضيها]، لم يتخلّ الفلسطينيون عن أي من مطالبهم. ويمكن التساؤل لماذا تجاهل الدكتور إنديك الحقائق؟ (وذلك بالمناسبة، خلافاً لرأي كثيرين من المسؤولين الأميركيين الآخرين الذين شاركوا في المحادثات). لكن المهم أكثر الآن هو التركيز على المشهد الحالي، والمشهد كما يمكن، أو كما يحتمل، أن يتطور في الأشهر المقبلة. فالرئيس أوباما تكلم عن وقت مستقطع [وقف المساعي لفترة معينة]، لكن يجوز الافتراض أن هذا الوقت لن يستمر طويلاً، مثلما يمكن استنتاجه من الزيارة التي قامت بها مستشارة الأمن القومي سوزان رايس الأسبوع الماضي للمنطقة.
· قال وزير الخارجية الأميركية جون كيري في إحدى المناسبات إنه يجب "إجراء جردة"، وكان محقاً في ذلك. ففي الجانب الفلسطيني، الصورة واضحة: اتفاق "المصالحة" بين أبو مازن وحركة حماس - ربما هو مرحلة أولى تمهّد لدمج الحركة في منظمة التحرير الفلسطينية - شاهد على أن أفكار أبو مازن هي أكثر في اتجاه مواصلة النضال ضد إسرائيل أكثر مما هي تتجه نحو تسوية الخلافات معها. وفي غضون ذلك، كرر "الريّس" شروط استئناف المفاوضات: تجميد تام للبناء [في المستوطنات] لثلاثة أشهر (ولا يفرّق الفلسطينيون على الصعيد بين مدينة القدس والكتل الاستيطانية وبين مناطق أُخرى في "الأراضي" [المحتلة])؛ وإطلاق الدفعة الرابعة من الإرهابيين.
· لكن حتى لو وافقت إسرائيل على هذه الشروط - ولو بقصد اختبار نيات الفلسطينيين - فلا مؤشر يدلّ على أن الفلسطينيين يعتزمون التخلي عن خطّهم الاستراتيجي القاضي بتفادي كل تفاوض حقيقي والمضي في اتخاذ خطوات أحادية الجانب في إطار الأمم المتحدة والمنظمات الدولية الأُخرى. وتعلمنا تجربة الماضي أن كل استجابة إسرائيلية أو أميركية لشروطهم تؤدي فقط إلى طرح مطالب جديدة من جانبهم.
· ولا شيء يمنع إسرائيل بالذات من أن تطرح في الأسابيع القريبة اقتراحات تهدف إلى "كسر الجمود". لكن، كي يكون هناك فرصة ما لإخراج عربة المفاوضات من وحل الرفض الفلسطيني، فإن على الولايات المتحدة أن تعتمد أساليب أُخرى. أولاً، عليها أن تجعل أبو مازن يعي خطورة نتائج مواصلته لنهجه. فكما رأينا، إذا أرادت واشنطن ممارسة الضغط عليه، فإن هذا الضغط يحقق نتائجه. والأهم من ذلك كله، على الأميركيين أن يعيدوا النظر في قسم كبير من منطلقاتهم الأساسية. فقد حدّد السيد كيري توقيتاً صارماً للتوصل إلى حلّ تام وشامل لجميع قضايا النزاع، لكن حتى لو ضاعف المدة الزمنية المقررة مرتين أو ثلاث مرات، فإن النتيجة لن تتغير: ليس فقط أنه لا يوجد إمكان ملموس لتجسير الفجوات الأساسية في القضايا الجوهرية للنزاع، بل وأيضاً فإن الفلسطينيون ما داموا يعتقدون أن عامل الزمن هو لمصلحتهم (وتصريحات كالتي قام بها مارتن إنديك تؤدي فقط إلى تشجيعهم على المثابرة في هذا الموقف)، فإنهم سيستمرون في المماطلة وخداع الأميركيين أيضاً.
· إن حلاً شاملاً لـ "إنهاء النزاع" مثلما حددته واشنطن كهدفٍ فوري – ومثلما نحن نفضّل مبدئياً – هو بكل بساطة صعب المنال. وعليه، يترتب على ذلك الاستنتاج التالي: من أجل إحراز تقدّم يجب تبني القول المأثور لونستون تشرشل – "الإسراع بتمهّل"- ورسم معالم استراتيجا تهدف إلى إنجاز اتفاقات جزئية بشأن قضايا محددة كالأمن، والنشاط والتعاون الاقتصاديين، وبناء مؤسسات حكم وقضاء تتمتع بالكفاءة والفاعلية والإنصاف في الجانب الفلسطيني – من دون تكرار محاولة وضع العربة أمام الحصان.