خيار "حل الدولتين" أصبح بعيداً جداً عن الواقع القائم
المصدر
يديعوت أحرونوت

تعني بالعربية "آخر الأخبار"، تأسست سنة 1939، وتصدر باللغتين العبرية والإنكليزية، كما يمكن قراءتها على موقعها الإلكتروني "ynet". وهي تُعتبر الصحيفة الثانية الأكثر انتشاراً في إسرائيل. تنتهج الصحيفة خطاً سياسياً أقرب إلى الوسط الإسرائيلي، يصدر عن الصحيفة ملحق اقتصادي بعنوان "كلكاليست".

·      بالتزامن مع فشل المفاوضات الإسرائيلية – الفلسطينية - الأميركية أشار وزير الخارجية الأميركي جون كيري إلى بديلَين مرعبين يتعلقان بمستقبل إسرائيل في حال عدم التوصل إلى تسوية للنزاع: إمّا أن تقوم بين نهر الأردن والبحر الأبيض المتوسط دولة واحدة ثنائية القومية، وإمّا أن تكون إسرائيل دولة أبارتهايد.

·      ويمكن القول إن هذين البديلين لا يستنفدان حيّز الإمكانات الماثلة أمام إسرائيل.

·      فمثلاً ثمة بديل آخر هو أن تقوم فعلاً دولة ثنائية القومية مع نظام أبارتهايد، لكن عدد اليهود فيها سيكون أقل، وسيكونون مرهقين ومحبطين جرّاء تلاشي الحلم الصهيوني، وسيجدون أنفسهم في الجانب الآخر من نظام الأبارتهايد، أي جانب الضحية لا السيّد.

·      وهناك بديل رابع هو استمرار الوضع القائم، أي استمرار الحكم العسكري لحركة "حماس" في قطاع غزة، واستمرار الحكم الذاتي من دون سيادة، والقائم على أساس تمويل ومساعدة دوليين لحركة "فتح" في جزء من مناطق الضفة الغربية، واستمرار عمليات الإسكان السريعة للمستوطنين اليهود في مناطق يهودا والسامرة والهجرة الهادئة للفلسطينيين المسيحيين من هناك، إلى جانب استمرار العمليات المسلحة بزخم متغيّر وحملات التنديد بالاحتلال الإسرائيلي ومحاولات معاودة المفاوضات.

·      يوجد أيضاً بديل خامس ينطوي على منطق تاريخي، وهو عودة الأردن كصاحب سيادة إلى مناطق الضفة الغربية وأجزاء من القدس الشرقية، وتحويل المملكة الأردنية إلى دولة أردنية - فلسطينية ديمقراطية، وإجراء مفاوضات معها بشأن إعادة أراضٍ، أو بشأن تبادلها والاعتراف بها كبلد الفلسطينيين ووطنهم القومي. ومعروف أن الفلسطينيين يشكلون منذ الآن أغلبية السكان في الأردن.

·      ولا ننسى أيضاً أن هناك خطوات أحادية الجانب مدرجة في جدول الأعمال، على غرار قيام الفلسطينيين بالتوجه مرة أُخرى إلى الأمم المتحدة لقبولهم كدولة في هذه المنظمة الدولية، أو قيام إسرائيل بضم بعض الأجزاء من المناطق [المحتلة] إليها والانفصال عن أجزاء أُخرى.

·      ويبدو أن الأقل البديل الذي تصر عليه الدبلوماسية الدولية، والمعروف باسم "حل الدولتين للشعبين" ("حل الدولتين القوميتين" وفقاً للتفسير الإسرائيلي)، هو الأقل جاذبية في نظر طرفي النزاع. وهو بديل موصوف بالتفصيل في الخطة التي صاغها الرئيس الأميركي الأسبق بيل كلينتون في آخر شهر من ولايته.

·      من ناحية الفلسطينيين فإن خطة كلينتون تعني إقامة دولة صغيرة مبتورة وممزقة ذات سيادة محدودة ومحاطة بالأعداء ومعتمدة على مدى عدة أجيال على المساعدات الاقتصادية الخارجية. ومن ناحية الإسرائيليين فإن "حل الدولتين" يعني إجلاء بالقوة لنحو 80,000 حتى 100,000 مستوطن (وغلاء آخر للسكن في البلد)، وتعميق الشروخ لدى أبناء الشعب، وإعادة تقسيم القدس، ورسم خط حدود متعرج في الجبهة الشرقية، ونشوء تهديد قومي جرّاء انتقال مئات الآلاف من اللاجئين الفلسطينيين من الدول العربية إلى دولة فلسطين الجديدة المكتظة وعديمة الإمكانيات.

·      ولا شك في أن وجود بدائل كثيرة ومتعددة يتيح للسياسيين الإسرائيليين والفلسطينيين وغيرهم إمكان الامتناع عمّا يسمى باللغة التجميلية "اتخاذ قرارات حاسمة". إن مثل هذه القرارات يتم اتخاذه بصورة عامة فقط عندما تُستنفد البدائل الأُخرى كافة، وعندما تصل جميع الخيارات إلى طريق مسدود ولا يعود هناك طرق للهروب. وما يبدو الآن هو أنه ما زال هناك عدة طرق للهروب، أو هكذا على الأقل يُخيّل للجميع. وبرأيي، فإن هذا هو السبب الحقيقي الذي تصل جرّاءه المفاوضات الإسرائيلية - الفلسطينية بشأن التسوية الدائمة المرة تلو الأُخرى إلى طريق مسدود.

·      إن الأغلبية في أوساط الجمهور اليهودي، والأغلبية في أوساط الجمهور الفلسطيني، واثقتان بأنهما ستتمكنان من أن تختارا من طيف الحلول الماثل أمامهما شيئاً ما آخر غير "حل الدولتين للشعبين". وتماماً مثلما يحدث في المطعم، فمَن هو الغبي الذي سيختار وجبة لا تروق له ما دام يوجد في لائحة الطعام وجبات أُخرى ألذ؟ فقط عندما تتقلص لائحة الطعام إلى وجبة واحدة عسيرة الهضم، ويصبح الخيار بينها وبين الجوع، يكون افتراض أنه سيتم اختيار هذه الوجبة معقولاً. أما فيما يتعلق بالمفاوضات بين إسرائيل والفلسطينيين، فإنه يبدو لي أن هذا الوضع ما زال بعيداً، بل بعيداً جداً.

·      في ضوء ذلك ألم يحن الوقت - ومتى سيحين - لأن يستيقظ اليسار السياسي الإسرائيلي من سباته وأوهامه ويبدأ التفكير بصورة جادة في البدائل الأُخرى غير بديل "الدولتين للشعبين"؟

·      وتجدر الإشارة هنا إلى أنه في ظل هذا السبات تطرفت حركة الاستيطان اليهودي ونجحت في أن تقيم في المناطق [المحتلة] عشرات ألوف الوحدات السكنية الجديدة. كما أن السكان الفلسطينيين تطرفوا هم أيضاً ونجحوا في أن ينشئوا جيلاً جديداً من الشبان المتعلمين والناشطين المعارضين بحزم لخطة كلينتون.

·      إن الخيار النظري لـ "حلّ دولتين للشعبين" ابتعد مسافة جوهرية أُخرى عن الواقع. وليس من المبالغة القول إن قيمة هذا الخيار باتت الآن أقرب إلى الصفر، إذ لم يعد عليه طلب، واحتمالات تحقيقه ضئيلة للغاية.