· في التقرير الذي قُدّم إلى لجنة الخارجية والأمن في الكنيست، هذا الأسبوع، قال رئيس دائرة الأبحاث في شعبة الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية، العميد يوسي بيداتس، إن سورية تشهد في الآونة الأخيرة عمليتين متوازيتين: الأولى إيجابية وفحواها اختراق العزلة وإجراء حوار مع الغرب وتحسين العلاقات مع كل من تركيا والسعودية، أمّا الثانية فإنها إشكالية، وهي ناجمة عن خشيتها من إسرائيل، والتي تعتبر خشية حقيقية، ذلك بأن الشعور العام في سورية هو أن إسرائيل دولة هوجاء مثل أزعر الحارة.
· ووفقاً لبيداتس، فإن سورية معنية بالسلام مع إسرائيل بموجب شروطها (أي في مقابل استعادة الجولان كله والحصول على دعم أميركي مكثف لاستئناف النمو الاقتصادي في سورية)، وإذا لم يتحقق ذلك فإنها ستعمق دورها في المحور الراديكالي.
· من ناحية أخرى، أكد بيداتس أن المحور الراديكالي بات المحور المهيمن في المنطقة، وأن المحور المعتدل لم يعد قائماً عملياً. فشبح المحور الراديكالي المؤلف من إيران وسورية وحزب الله و"حماس"، يحوم فوق المنطقة برمتها، في حين أن دول الخليج (ولا سيما قطر) والأردن والسعودية تخشى منه، بينما مصر لا تزال تراوح بين مواجهته والخشية منه. وفي رأي بيداتس، فإن سياسة [الرئيس الأميركي] باراك أوباما تصب في هذه الوجهة، ذلك بأن الأميركيين سينسحبون قريباً من العراق الذي سيصبح في قبضة إيران وينضم إلى المحور الراديكالي.
· في ضوء ذلك كله، فإن نقل سورية من المحور الراديكالي إلى المحور الآخر سيكون بمثابة خطوة ستؤدي إلى تغيير جذري في المنطقة كلها، وربما يكون فحوى هذا التغيير ما يلي: إعادة إحياء المحور المعتدل؛ عزل حزب الله؛ تحسن العلاقات مع تركيا. ومع ذلك لا يوجد في هذه المرحلة زعيم على استعداد للقيام بهذه الخطوة لا في القدس ولا في واشنطن.
· وبحسب أقوال بيداتس، فإن السوريين يرغبون فعلاً في التوصل إلى سلام مع إسرائيل، وهم في الوقت نفسه على استعداد لدفع الثمن المترتب على ذلك. كما أن [الرئيس السوري] بشار الأسد يعرف، على نحو جيد، جوهر المطالب الإسرائيلية في مقابل الانسحاب من الجولان، وهي: طرد قادة الفصائل "الإرهابية" من دمشق؛ وقف عمليات نقل الأسلحة إلى حزب الله؛ خفض مستوى العلاقات مع إيران. ويؤكد بيداتس أن الأسد على استعداد لدفع هذا الثمن في حال حصوله على ما يرغب فيه، لكن في حال عدم حدوث ذلك، فإنه سينخرط بكل قوته في المحور الآخر.
· إن التقديرات السائدة لدى شعبة الاستخبارات العسكرية هي أنه في حال عدم سير سورية في اتجاه السلام فإن الاحتمال الأقوى هو أن تسير في اتجاه الحرب. وعندها، فإن إيران ستكون بالنسبة إليها، هي السند والرد على "الخطر الإسرائيلي". ويدرك الأسد أنه ليس في إمكانه تحقيق انتصار على إسرائيل، لكن الأمر المؤكد هو أن في إمكانه أن يلحق أضراراً كبيرة بها.
· وبالنسبة إلى إسرائيل، فإن المؤسسة الأمنية كلها تمارس، في الآونة الأخيرة، ضغوطاً على المؤسسة السياسية كي تدخل في مفاوضات مع الأسد تسفر عن اتفاق سلام مع سورية، الأمر الذي يمكن أن يؤدي إلى إخراجها من "محور الشرّ" وإلى عزل حزب الله وإنقاذ لبنان.
· كما أن وزير الدفاع الإسرائيلي، إيهود باراك، يؤيد هذا السيناريو، إلا إنه لا يفعل شيئاً من أجل دفعه قدماً، وإنما يكتفي بدور المحلل السياسي. أمّا رئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو، فإنه لا يفعل شيئاً على الإطلاق في هذا المجال، في حين أن رئيس مجلس الأمن القومي، عوزي أراد، يعارض بحزم أي مفاوضات مع السوريين. ووفقاً لأراد، فإن موضوع سورية سيحسم في إطار حسم موضوع إيران، ولذا، لا حاجة إلى أن تتخلى إسرائيل في الوقت الحالي عن رصيد استراتيجي مهم للغاية مثل الجولان. وفي واقع الأمر، فإن أراد يعتبر الشخص الأكثر تأثيراً في نتنياهو من المؤسسة الأمنية كلها، فضلاً عن أن الائتلاف الحكومي يبدو أهم لنتنياهو من مصالح الدولة.