· شهدت الحرب الأهلية الدائرة في سورية تطوراً مقلقاً في إثر التقارير التي تحدثت عن استخدام جيش الرئيس بشار الأسد السلاح الكيماوي. وهنا يُطرح السؤال الذي يقلق المجتمع الدولي وإسرائيل: ما مصير هذا السلاح الكيماوي، الذي يقدر بنحو ألف طن، بعد سقوط نظام بشار الأسد؟
· حتى الآن يجري الحديث عن حوادث لا يتجاوز عددها العشرين قام خلالها الجيش السوري وميليشيا الشبيحة [التابعة للنظام] باستخدام الغازات، أو مادة سائلة سامة ضد الأحياء التي يسيطر عليها الثوار. ونظراً إلى عدم العثور على شظايا القذيفة، أو أي نوع من السلاح الذي قد يكون استُخدم في إطلاق السلاح الكيماوي، فمن الممكن أن يكون جرى نشر المواد بطريقة يدوية، وهي طريقة معروفة لدينا.
· إن هذه الغازات لا تتسبب بالضرورة بالموت، كما أنها ليست قاتلة مثل السلاح الكيماوي العادي، وهي تتبخر بسرعة ولا تترك ترسبات أو رائحة، الأمر الذي يجعل من الصعب تحديد طبيعتها، وبالتالي الحصول على دلائل تثبت استخدامها. لكن على ما يبدو فإن هذه الغازات تتسبب بالاختناق، وتؤذي عملية التنفس، كما تتسبب بحروق جلدية مؤلمة، وقد تؤدي إلى موت الأشخاص الذي يعانون مشكلات صحية.
· ومن المحتمل أن يكون قد جرى تطوير هذه المواد بطلب من النظام بهدف التخويف من خلال استخدام سلاح كيماوي دون التورط في مواجهة رد فعل دولي. ويبدو أن المرة الأخيرة التي جرى خلالها استخدام هذه الغازات السامة كانت قبل أيام في مدينة حمص، حيث توفي ستة أشخاص جراء إصابتهم بها.
· يخصص رئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو، والمسؤولون الكبار في الأجهزة الأمنية والاستخباراتية اهتماماً ووقتاً كبيرين للموضوع السوري. ويزداد احتمال أن تنشأ ضرورة للتحرك، بالتعاون مع المجتمع الدولي، من أجل الحؤول دون استخدام السلاح الكيماوي ومنع انتقالة إلى أيدي أطراف أخرى.
· ويبدو أنه من أجل التداول في هذه الأمور دعا نتنياهو والأميركيون إلى اجتماع مع العاهل الأردني الملك عبد الله في قصره، يأتي هذا في وقت يقوم نتنياهو بتسريع البناء في المناطق، ومع معرفته المسبقة بأن خبر الاجتماع سوف يظهر إلى العلن. ويبدو أن اللقاء شكل مناسبة للعاهل الأردني للتعبير أمام نتنياهو عن قلقة من المواجهة الحادة مع أبو مازن ومن جمود العملية السياسية. أمّا بالنسبة إلى نتنياهو فقد كانت هذه فرصة لتهدئة مخاوف العاهل الأدرني فيما يتعلق بالموضوع الفلسطيني، والإيحاء له بأن الفورة الحالية بشأن الاستيطان هي من قبيل التنافس [بين الأحزاب مع اقتراب موعد الانتخابات] أكثر منها حقيقية.
· في الفترة الأخيرة حظي موضوع السلاح الكيماوي السوري بأهمية كبيرة في إسرائيل والأردن وتركيا وذلك بعد أن تبين أن الجيش السوري لم يعد يسيطر عملياً على أغلبية الأراضي السورية. وفي الوقت الذي يقوم الثوار بمهاجمة معسكرات الجيش ونهب مستودعات السلاح التي يملكها النظام ويقتربون من مخازن السلاح الكيماوي، يلاحَظ في المقابل الجهد الذي يقوم به حزب الله وأنصاره من أجل مساعدة النظام في دمشق على المحافظة على معداته العسكرية، ومحاولتهم نقل بعض منظومات السلاح السوري، التي يعتبرونها تخرق توازن الردع، إلى عهدتهم. ولذا بات هذا الموضوع يشكل المسألة الأولى، وربما الثانية، في سلم الأولويات الأمنية في إسرائيل.
· ويمكن القول إن الذي سيفرض في النهاية القيام بعملية ضد سورية هي الظروف والشروط التي ستنشأ على الأرض بعد سقوط النظام. وحتى الآن وما دام جيش الأسد يسيطر على المخازن الأساسية للسلاح عامة، وعلى مستودعات السلاح الكيماوي خاصة، فلا نية للقيام بمثل هذه العملية.
· يدرك الأسد ومستشاروه الكبار، وبصورة خاصة الأشخاص الذين كانوا إلى جانب والده بالإضافة إلى شقيقه ماهر، هذا الأمر جيداً، ولهذا السبب هم لا يريدون خلق مزيد من التوتر مع المجتمع الدولي، ولا يرغبون في تدخل عسكري أجنبي. لكن على الرغم من ذلك، فإنهم يواصلون حربهم الوحشية ضد الثوار ولا يوفرون أي وسيلة من الوسائل، ومن بين الأهداف التي يسعون لتحقيقها إيقاع عدد كبير من القتلى وسط السكان المدنيين السنة والأكراد في المناطق الواقعة تحت سيطرة الثوار، وذلك بهدف الضغط غير المباشر على مجموعات المعارضة المسلحة ودفعها إلى الخروج من المناطق التي سيطروا عليها، أو بهدف ردعها عن القيام بهجمات جديدة.
· نستطيع الجزم أن سقوط نظام الأسد لن يضع حداً لحمام الدم الذي تشهده سورية اليوم. وتشير كل الدلائل إلى أن ما حدث في أفغانستان قبل عشرين عاماً سيحدث في سورية، وأن الحرب الأهلية بين القبائل والأقليات الإثنية والدينية ستستمر حتى بعد سقوط النظام وتفكك الجيش.
· وثمة أكثر من سؤال يطرح نفسه في ضوء التجربة الأفغانية، مثل: هل ستبقى سورية دولة ذات سيادة وموحدة ضمن حدودها الحالية، أم أنها ستتفكك إلى دولتين أو إلى ثلاث دول إثنية أو ستبقى دولة موحدة شكلياً وعاصمتها دمشق (كما ظلت كابول عاصمة أفغانستان)؟ وهل سيسيطر النظام الجديد الذي سينشأ بمساعدة الغرب وتركيا والسعودية وقطر، على دمشق وضواحيها وعلى حلب، أم أنه سيسيطر أيضاً على الأطراف، ولا سيما الأرياف؟ فالمعروف اليوم أن النظام الأفغاني يسيطر بصعوبة على كابول وعلى بعض المدن في الجنوب، وذلك بفضل اعتماده على الأميركيين وعلى حلف شمال الأطلسي. وثمة سؤال ثالث هو التالي: هل الإسلام الراديكالي السياسي (الإخوان المسلمون والسلفيون) سيفرض سيطرته على سورية مثلما فعلت طالبان في أفغانستان، أم أن سورية الدولة ذات التاريخ العلماني الذي يعود إلى أعوام طويلة ستشهد نشوء نظام علماني ليبرالي؟ ويبقى السؤال الأخير هو: هل سيستقر الإسلاميون من القاعدة والجهاد العالمي في سورية مثلما استقروا في أفغانستان تحت حماية طالبان حيث بدأوا من هناك هجماتهم على دول المنطقة؟