فلسطين ليست دولة
المصدر
هآرتس

من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".

المؤلف

·       في إثر انتهاء الاحتفالات بقرار الأمم المتحدة رفع تمثيل فلسطين إلى مستوى دولة غير عضو في المنظمة الدولية، توقع البعض أن يؤدي هذا القرار إلى حدوث تغيير جذري، مثل رفع دعاوى أمام المحكمة الجنائية الدولية ضد زعماء وقيادات وضباط إسرائيليين، وأن تقبل المحكمة بحق فلسطين كدولة في رفع مثل هذه الدعاوى. إزاء ذلك يتعين علينا توضيح بعض الأمور:

·       أولاً، إن قرار رفع تمثيل فلسطين لا يعني إعلان نشوء الدولة الفلسطينية، إذ ليس من صلاحية الأمم المتحدة إنشاء دولة. لذا، فإن القرار الصادر عن المنظمة الدولية قضى برفع مستوى تمثيل وفد المراقبين الفلسطينيين إلى وضع دولة غير عضو، وذلك لأسباب داخلية في مؤسسات الأمم المتحدة. وتجدر الملاحظة أن قرارات الأمم المتحدة لا تسمح باللجوء إلى القضاء الدولي، وهي لا تعدو كونها توصيات غير ملزمة تعبر عن المواقف السياسية للدول التي صوتت إلى جانب القرار. من هنا، فإن قرار رفع مستوى التمثيل الفلسطيني هو توصية من جانب الأمم المتحدة بشأن الشرق الأوسط، وسيضاف إلى القرارات الكثيرة التي اتخذت طوال أعوام ولم يكن لها أي تأثير في الوضع الراهن. فالوضع في الأراضي لن يتغير إلاّ عبر المفاوضات المباشرة والاتفاق المتبادل.

·       ثانياً، إن الفلسطينيين ليسوا مستعدين للدولة، ذلك بأن المعايير الدولية للدولة تتضمن وحدة الأرض، وقيام حكم مسؤول، والقدرة على الوفاء بالالتزمات الدولية. كما تنص وثيقة الأمم المتحدة على ضرورة أن تكون الدولة التي تسعى للعضوية محبة للسلام. ومما لا شك فيه أنه ما دامت "حماس" وإيران تسيطران على غزة، وما دامت الضفة الغربية تحكمها "فتح"، ومع استمرار تقاتل الحركتين، وإطلاق التنظميات الإرهابية في غزة الصواريخ العشوائية على إسرائيل، فإنه من الصعب أن تجد مراقباً، أو دولة يوافقان على القول إن الفلسطينيين باتوا مستعدين للدولة.

·       ثالثاً، ليس هناك أي أساس لما يسمّى "الأراضي الفلسطينية المحتلة"، والذي نجده في مئات من قرارات الأمم المتحدة، والمنتشر في أوساط المجتمع الدولي. فلا وجود لأي وثيقة أو مستند قانوني يعترف بأن مناطق غزة والضفة الغربية (يهودا والسامرة) كانت خاضعة للسيادة الفلسطينية، أو أنها تعود إلى الفلسطينيين. ناهيك عن أن قراري مجلس الأمن 242 (الصادر سنة 1967) و338 (الصادر سنة 1973) يدعوان إلى إنهاء النزاع عن طريق المفاوضات، وينصان على أن مصير الأراضي سيحدد فقط عبر المفاوضات بين الطرفين.

·       ومن المعلوم أن لكل طرف مطالبه، إذ يستند الفلسطينيون في مطالبهم إلى حق تقرير المصير وقرار التقسيم (1947) وإلى أعوام تواجدهم في المكان. أمّا الإسرائيليون فيستندون إلى حق شعب ولد في المنطقة، وإلى سلسلة من الوثائق الدولية التي تؤكد حقهم في وطن قومي.

·       وعلى الرغم من هذه المطالب، فإن الطرفين تعهدا عبر اتفاق أوسلو بإجراء مفاوضات فيما بينهما بشأن مستقبل الأراضي. ويمكن القول إن مصطلح "الأراضي الفلسطينية المحتلة" الوارد في قرارات الأمم المتحدة هو نوع من التعريف السياسي الذي لا أساس له، ولا ينطوي على مترتبات قانونية. كما أن هذه القرارات ليست هي التي ستحدد مصير المناطق، وإنما ما سيحددها هو المفاوضات بين الطرفين. ولذا فإن الوضع القانوني الذي نتج في أعقاب اتفاق أوسلو سيظل قائماً بعد عملية رفع مستوى التمثيل الفلسطيني، ولا أساس للادعاء الفلسطيني بأن إسرائيل قد تحولت بين ليلة وضحاها إلى "دولة تحتل أراض فلسطينية ذات سيادة."

·       رابعاً؛ إن التهديد بالتقدم بدعاوى ضد إسرائيليين أمام محكمة الجنايات الدولية لا أساس له قانونياً وسياسياً، وذلك لعدة أسباب منها أن المحكمة الجنائية الدولية ليست مرتبطة بالأمم المتحدة وليست ملزمة بالتقيد بقراراتها، وهي "مؤسسة قضائية مستقلة وثابتة"، ولا يمكن التوجه إليها إلاّ عبر الدول. ففي سنة 2009 طلبت السلطة الفلسطينية من المحكمة فرض صلاحياتها على "أرض فلسطين"، وقد امتنعت المحكمة يومها من تعريف السلطة بصفتها "دولة"، وحولت القضية إلى الأمين العام للأمم المتحدة وإلى الجمعية العامة.

·       إن وضع الفلسطينيين بعد قرار رفع مستوى تمثيلهم في الأمم المتحدة لا يختلف عما كان عليه قبل صدور القرار، فهم ليسوا دولة. من هنا فإن بث الآمال غير الحقيقية لدى سكان المناطق خدمة لمصالح الزعامة الفلسطينية، وبصورة خاصة أبو مازن، من شأنه أن يؤدي إلى الإحباط وخيبة الأمل، وذلك عندما يدرك الجميع أن شيئاً لم ولن يتغير. وحدها العودة إلى المفاوضات بصدق وفي أجواء إيجابية هي التي  ستؤدي إلى التغيير، وإلى السلام الذي يتطلع إليه الجميع.