من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".
· أصدر المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية في لاهاي في نيسان/أبريل الماضي قراره السلبي رداً على الطلب الفلسطيني بالتحقيق في جرائم الحرب المرتكبة خلال عملية "الرصاص المصبوب" في غزة [2009]، معللاً رفضه بأن فلسطين غير معترف بها كدولة. وأضاف المدعي العام أن الجمعية العامة للأمم المتحدة تصنف فلسطين "دولة مراقبة" وليس دولة غير عضو في الأمم المتحدة، لكن إذا تغير هذا الأمر فسيُفتح أمامها الباب للتحقيق في الجرائم المرتكبة في فلسطين.
· ومن هنا، فإن قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة الاعتراف بفلسطين "دولة غير عضو" في الأمم المتحدة يفتح هذا الباب. ونظراً لأن الانضمام للأمم المتحدة يتطلب توصية من مجلس الأمن، وبسبب الفيتو الأميركي المتوقع في مجلس الأمن، وبالتالي فشل المحاولة الفلسطينية للانضمام للأمم المتحدة عملياً، اكتفت فلسطين باعتراف الجمعية العامة بها كدولة غير عضو في المنظمة. لكن يبدو أن هذا يكفي [المدعية الجديدة المحامية الغامبية] فاتو بنسودا لرفع دعاوى ضد إسرائيليين – وأيضاً ضد فلسطينيين - متهمين بارتكاب جرائم حرب.
· ويشدد دستور المحكمة الجنائية الدولية على حظر نقل سكان دولة الاحتلال إلى المناطق المحتلة، المنصوص عليه في اتفاقية جنيف، ويعتبر أن انتهاك هذا الحظر يشكل جريمة حرب. مما يفتح الباب الآن لمقاضاة القادة الإسرائيليين المسؤولين عن إقامة المستوطنات وتوسعيها. ويشير قرار الجمعية العامة بوضوح إلى حدود العام 1967، كحدود الأرض التي يحق فيها للفلسطينيين ممارسة حق تقرير المصير ، وهكذا سيتمكن الفلسطينيون من الإدعاء بأن الاستيطان خارج الخط الأخضر يتم في منطقة سيادتهم المحتلة من قبل إسرائيل.
· وعلى الرغم من أن إسرائيل ادعت في الماضي أن المستوطنات غير محظورة بموجب القانون الدولي، لاسيما وأن اتفاقية جنيف لا تنطبق على الأراضي المحتلة لأنها لم تكن ذات سيادة في السابق، إلا إن المجتمع الدولي دحض هذا الزعم، وعلى وجه الخصوص محكمة العدل الدولية في لاهاي (وليس المحكمة الجنائية الدولية)، وذلك في معرض المناقشة للجدار الذي يتم بناؤه في الأراضي المحتلة. وبالتالي، لا يمكن أن نتوقع من المحكمة الجنائية الدولية، التي مقرها لاهاي أيضاً، أن تصدر حكماً مختلفاً.
· ولكن مسألة تبني الفلسطينين لهذه المطالبة لا تزال مسألة سياسية. فإذا بدأت المحكمة الدولية بالاهتمام بالموضوع الإسرائيلي - الفلسطيني، فسيكون عليها أيضاً أن تهتم بجرائم الحرب التي اقترفها الفلسطينيون، مثل إطلاق الصواريــخ على المدنييـن. وعـلاوة على ذلــك، ليـس مــن الواضح إذا كانت المدعية العامة للمحكمة الجنائية الدولية تريـد أن تقحم نفسها في القضية الإسرائيلية - الفلسطينية، وإثارة غضب أوروبا. ومن ناحية أخرى، جميع القضايا التي تُدرس حالياً في المحكمة الجنائية الدولية هي دعاوى مرفوعة ضد متهمين من دول إفريقية، ويبحث مكتب المدعية بحثاً مضنياً عن ملفات من مناطق أخرى من أجل تغيير صورته.
· وحتى إذا تم رفع دعاوى ضد إسرائيليين، لا يمكن إصدار حكم بحقهم ما لم يسلَّموا إلى المحكمة (وعلى سبيل المثال، فقد صدرت بحق الرئيس السوداني عمر البشير لوائح اتهام ومذكرات توقيف من قبل المحكمة، لكنه تمكن من التملّص من الحكم حتى اليوم). ولكن من شأن ذلك التسبب بحالة من الإرباك القضائي والإحراج الدبلوماسي، والسبيل الوحيد لمنع هذه المضاعفات هو بالطبع بالامتناع عن القيام بجرائم، وقيام إسرائيل نفسها بالتحقيق في الاتهامات بجرائم دولية، ذلك بأن صلاحية المحكمة الجنائية الدولية هي مكمّلة، إذ لا تقدم هذه المحكمة على مناقشة موضوع ما إلا إذا أجرت الدولة المعنية تحقيقاً جدياً فيه. ومع ذلك، فإن مبدأ التكامل، والذي يطال حالات الإدعاء الخاصة بالضحايا المدنيين إبان القتال، لا علاقة له بكل ما يتعلق بسياسة حكومية معلنة مثل سياسة بناء المستوطنات.
· إن مسألة صلاحية المحكمة الجنائية الدولية هي مجرد مسألة قانونية واحدة من مسائل عدة ستنجم عن قرار الجمعية العامة. فإذا نجحت إسرائيل في الماضي بالإمساك بالعصا من طرفيه، وقالت، لغايات معينة، إن الأراضي هي محتلة، ثم زعمت، لغايات أخرى، أن هذه الأراضي لم يجرِ احتلالها من أي دولة، فإن في وسع فلسطين اليوم القول إن الاحتلال الإسرائيلي هو احتلال أرضِ دولةٍ ذات سيادة، وإن هذا الاحتلال قد خرج عن القواعد التي تلزمه بأن يكون نظام حكم مؤقت، وإنه يحظر على سلطات الاحتلال توطين سكانها والتصرف بأراضي المنطقة المحتلة على هواها.
· لكن الطلب الفلسطيني بالاعتراف بفلسطين كدولة سيكون بمثابة سيف ذو حدين للفلسطينيين، عندما يحظون بلقب "دولة"، فقد يبقى هذا اللقب فارغاً من مضمونه إذا لم يسمح لهم الاحتلال الإسرائيلي أن يحكموا أنفسهم بشكل كامل، وما دامت إسرائيل تسيطر على المناطق الحيوية، كالأراضي، ومصادر المياه، وعلى استخدام القوة العسكرية.
· ومن هنا، هل سيشكل لقب دولة ذريعة أخرى لإسرائيل للتملص من مسؤولياتها كسلطة احتلال تجاه السكان الفلسطينيين، من خلال مواصلة السيطرة على الموارد التي تحرص إسرائيل عليها؟ أم أنه سيشكل نقطة تحول في اتجاه قيام دولة فلسطينية مستقلة فعلاً وليس قولاً؟ وعلى الرغم أنه ومن ناحية قانونية صرفة، يتطلب وجود الدولة حقاً، وجودَ سكان، وأرض، وحكومة، والقدرةَ على إقامة علاقات دولية مستقلة، إلا إن اعتراف دول أخرى ومنظمات دولية [بهذه الدولة] يلعب دوراً مهماً في نجاح أو عدم نجاح الدولة الجديدة. وأبلغ مثال على ذلك هي دولة كوسوفو، التي حظيت فقط باعتراف جزئي.
· الآن تنجح فلسطين في إحراز الاعتراف الدولي، وفي الحصول على اعتراف الأمم المتحدة. لكن يبقى السؤال هل ستنجح في تحقيق هذه الدولة في المستقبل المنظور، وفي تقرير المصير الحقيقي وليس الشكلي؟ أم أن استمرار الاحتلال الإسرائيلي سيحوّل لقب الدولة إلى قشرة، وباستثناء سياقات معينة مثل صلاحية المحكمة الجنائية الدولية، سيبقى لقب الدولة فارغاً من المضمون.