إسرائيل تفضل السلام البارد
تاريخ المقال
المصدر
هآرتس
من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".
- من يعرف اسم زعيم الإخوان المسلمين في مصر؟ وما هو اسم زعيم حزب النهضة في تونس؟ وما اسم رئيس الحركة الإسلامية في المغرب؟ يتوقع المرء أن تكون هذه الأسماء مألوفة لدى دولة مثل إسرائيل تخاف كثيراً من "السيطرة الإسلامية" على الشرق الأوسط، وتخشى انهيار اتفاق السلام بينها وبين مصر.
- لكن، لماذا على إسرائيل أن تحفظ أسماء خصومها الجدد، في حين أن التحدث عن "الإسلام" سيكون أكثر سهولة ووضوحاً، وأكثر تهديداً؟ فعندما يتخذ الخطر مثل هذه التسمية العامة يعفي إسرائيل من مسؤولية العلاقات الصعبة مع الدول العربية والأنظمة الجديدة فيها. كذلك، فإن هذا العدو "الجماعي" يضع إسرائيل في خندق واحد مع "الغرب".
- فجأة، وجدت إسرائيل بعض العزاء في أن "الإسلام المغربي" الذي فاز في الانتخابات البرلمانية ليس مثل "إسلام الإخوان المسلمين"، وإنما هو أقرب إلى "الإسلام التركي" الذي أصبح "إسلاماً جيداً" بعد أن كان، في السابق، "إسلام أردوغان الراديكالي".
- يجب ألاّ يفاجئنا صعود قوة الأحزاب الدينية، إذ إنه حتى قبل نشوء الثورات كان الدستور في أغلبية الدول العربية يعتبر الشريعة الإسلامية مصدراً أساسياً للتشريعات. وعندما يستند نمط الحياة لدى أغلبية المواطنين في الدول العربية إلى المبادىء الدينية، يصبح من الطبيعي أن تتمثل الأحزاب الدينية في السلطة. ومن يجد صعوبة في فهم المعادلة الجديدة يستطيع أن ينظر إلى دولة إسرائيل حيث تقوم الأحزاب الدينية بفرض نمط الحياة والسياسة الخارجية للدولة.
- لكن ما يهم إسرائيل ليس نمط حياة المواطنين في الدول العربية، ولا الديمقراطية العربية التي قد تؤدي إلى صعود أنظمة دينية، وهي تفضل ألاّ تقيم صلة بين المواطنين المسلمين وبين السياسات الخارجية لدولهم، وهذا ما اعتادت عليه في علاقاتها مع الأردن ومصر والفلسطينيين. ففي رأي إسرائيل، يُصنع السلام مع الزعماء، ولو كانوا طغاة، لا مع الشعوب، وترى أن هؤلاء الزعماء سيجبرون شعوبهم على حب إسرائيل. من هنا دهشة إسرائيل وخيبة أملها وغضبها من السلام البارد مع مصر والأردن.
- لم يكن ممكناً خلال أعوام حكم مبارك والملك حسين اتهام الإخوان المسلمين بأنهم السبب في جمود السلام، إذ لطالما وقف المثقفون اليساريون ضد اتفاق السلام، فعلى سبيل المثال، رفض الروائي المصري علاء الأسواني (مؤلف رواية "عمارة يعقوبيان") والكاتب صنع الله إبراهيم استلام جائزة الإبداع الأدبي من وزير الثقافة المصري لأنهما اعتبرا الدولة المصرية فاسدة، وأيضاً بسبب إقامة مصر علاقات مع دولة إسرائيل المحتلة، وهذان الكاتبان ليسا من الإسلاميين الراديكاليين. كذلك، فإن نقابة الصحافة، والكتّاب، والمحاضرين في كل من مصر والأردن لا يقاطعون إسرائيل لأسباب دينية، وإنما بسبب السياسة الإسرائيلية في القدس والمناطق.
- وخلال ثورة ميدان التحرير في مصر، وعلى الرغم من الغياب المطلق لإسرائيل عن النقاش العام في أوساط المتدينين والعلمانيين على حد سواء، فقد كان بين شباب الثورة وشباب "الفايسبوك" ومتصفحو الإنترنت مَن يرون في اتفاق الغاز الذي وقعه مبارك مع إسرائيل جريمة فساد تجب معاقبته عليها. وأصرّ هؤلاء جميعهم على الإبقاء على الطابع البارد للسلام، واستخدمو ذلك كي يقيموا جداراً فاصلاً بينهم وبين النظام. وفي رأيهم، إذا أرادت إسرائيل أن تبعث الحرارة في هذا السلام، عليها أن تدفع الثمن على الصعيد الفلسطيني، وهذا الموقف لا يعكس موقفاً "إسلامياً"، وإنما مواقف جهات علمانية.
- لا تريد إسرائيل دفع مثل هذا الثمن. ففي المنافسة بين السلام الحار مع مصر وبين بناء الأحياء السكنية في هار حوما [جبل الهيكل] وبؤرة ميغرون الاستيطانية، فازت البؤر الاستيطانية على السلام، إذ تفضل إسرائيل السلام البارد مع اتفاق للغاز والنفط على السلام الحار. وكما كانت إسرائيل تفكر في عهد مبارك، فهي تفكر اليوم أيضاً في أن المساعدة الأميركية لمصر ستكون ضمانة لاستمرار وجود اتفاق السلام البارد.