على إسرائيل مواصلة الضغط العسكري على "حماس" والبحث عن فرصة لوقف القتال بعد تحقيق الهدف
المصدر
معهد دراسات الأمن القومي

معهد أبحاث إسرائيلي تابع لجامعة تل أبيب. متخصص في الشؤون الاستراتيجية، والنزاع الإسرائيلي -الفلسطيني، والصراعات في منطقة الشرق الأوسط، وكذلك لديه فرع خاص يهتم بالحرب السيبرانية. تأسس كردة فعل على حرب تشرين الأول/أكتوبر 1973، بقرار من جامعة تل أبيب؛  وبمرور الأعوام، تحول إلى مركز أبحاث مستقل استقطب مجموعة كبيرة من الباحثين من كبار المسؤولين الأمنيين، ومن الذين تولوا مناصب عالية في الدولة الإسرائيلية، بالإضافة إلى مجموعة من الأكاديميين الإسرائيليين، وهو ما جعله يتبوأ مكانة مرموقة بين المؤسسات البحثية. يُصدر المعهد عدداً من المنشورات، أهمها "مباط عال" و"عدكان استراتيجي"، بالإضافة إلى الكتب والندوات المتخصصة التي تُنشر باللغتين العبرية والإنكليزية.

– مباط عال

 

·       يدرك الجمهور الإسرائيلي ومتخذو القرارات أن شعارات مثل "القضاء على حماس"، أو "التحاور مع حماس" لا تؤدي إلى الانتصار في الحرب ولا إلى حل المشكلة الفلسطينية. ولذا، فإن أهداف عملية "عمود السحاب" مدروسة، وتم صوغها بدقة، وهي تقوم على إعادة تفعيل الردع الإسرائيلي في مواجهة "حماس" من خلال توجيه ضربة قاسية إلى المنظمات الإرهابية الفلسطينية في غزة، وشل قدرة هذه التنظيمات على استخدام المنظومة الاستراتيجية للصواريخ بعيدة المدى التي لديها.

·       لقد بدأت العملية بنجاح عسكري واستخباراتي كبير، وعلى الرغم من عدم تدمير المنظومة الاستراتيجية للصواريخ تدميراً مطلقاً، فإن العملية حققت أهدافها بصورة كاملة، تقريباً. لقد دلت تجربة حرب لبنان الثانية [سنة 2006] وعملية "الرصاص المسبوك" [سنة 2008] على الحاجة إلى "فترة هضم" كي تبدأ قوة الضربة بالتأثير في متخذي القرارات لدى الطرف الثاني، فإنهاء العملية الحالية بحاجة إلى قيادة مسؤولة وحكيمة تقوم، في وقت واحد، بمواصلة القتال وزيادة الضرر اللاحق بـ "حماس"، وبالإعداد لعملية برية واسعة، وأيضاً بالبحث عن فرصة لإنهاء الجولة الحالية من القتال في ضوء ما حققته حتى الآن.

·       وهنا تبرز أهمية دور مصر في إيجاد آلية لإنهاء القتال. فإذا كانت مصر تتطلع إلى تقوية موقعها الإقليمي ونفوذها، فإن عليها المحافظة على قنوات الاتصال مع إسرائيل، والدفاع عن دورها كوسيط قادر على إنهاء جولة التصعيد. وتكمن الإشارة هنا إلى أن استدعاء السفير المصري في إسرائيل ليس خطوة استثنائية في سلم ردات الفعل المصرية التقليدية على أحداث من هذا النوع، ففي سنة 1982 استدعت مصر سفيرها في إسرائيل احتجاجاً على حرب لبنان الأولى، وهذا ما فعلته أيضاً في أثناء عملية "الجدار الواقي" سنة 2002.

·       ومما لا شك فيه أن إرسال مصر رئيس حكومتها هاشم قنديل إلى غزة هو دليل على رغبتها في لعب دور الوسيط من أجل التوصل إلى وقف إطلاق نار في أقرب وقت ممكن. من هنا يتعين على القيادتين في القدس وفي القاهرة التغلب على الخلافات في وجهات النظر القائمة بينهما اليوم، والسماح للوساطة المصرية البناءة بإنهاء جولة القتال الحالية في أقرب وقت ممكن.

·       لقد رأينا كيف حمّلت واشنطن ولندن، اللتان تعتبران "حماس" تنظيماً إرهابياً، الحركة مسؤولية بدء القتال الحالي، مثلما جرى خلال عملية "الرصاص المسبوك" التي كان سببها إطلاق "حماس" الصواريخ بكثافة على المستوطنات الإسرائيلية. ولقد حظيت إسرائيل اليوم بدعم كبير من جانب الولايات المتحدة، إذ وقف الرئيس أوباما وسفيرته في الأمم المتحدة إلى جانبها، ودافعا عن حقها في حماية أمن مواطنيها. وكذلك فعلت بريطانيا عبر إدانتها قصف "حماس" للبلدات الإسرائيلية، ومطالبتها بإنهاء جولة العنف، الأمر الذي يدل على نجاح إسرائيل في تحقيق أهدافها من دون أن تدفع ثمناً سياسياً باهظاً.

·       ومما لا شك فيه أن عملية "عمود السحاب" هي عملية مشروعة من الناحية الأخلاقية  والقانونية، إذ دأبت إسرائيل لفترة طويلة على ممارسة ضبط النفس، لكن الاضطراب غير المحتمل في وتيرة الحياة الطبيعية في جنوب إسرائيل، وانضمام "حماس" إلى التنظيمات الإرهابية المتطرفة، ومشاركتها في العمليات في القطاع بدلاً من لجمها - مثلما جرى في حادثتين، هما محاولة الهجوم على القوات الإسرائيلية داخل أراضي إسرائيل من خلال نفق مزروع بالألغام، ومهاجمة سيارة عسكرية كانت تمر في الجزء الشرقي من الحدود - كل ذلك استوجب رداً من الدولة الإسرائيلية التي من واجبها حماية أمن مواطنيها والدفاع عن سيادتها. من هنا يمكن القول إن ما يجري على الجبهة الجنوبية ليس اغتيالاً أو انتقاماً، وإنما مواجهة عسكرية بين الجيش الإسرائيلي وجيش الإرهاب الفلسطيني، واستهداف لقيادات الخصم البارزة ولمخازن أسلحته الاستراتيجية.

·       وما تجدر الإشارة إليه هو أن جبهة غزة هي مجرد جبهة واحدة داخل الساحة الفلسطينية الواسعة، وأن أي حل في المدى البعيد يجب أن يتضمن رؤية تشمل جزئين: السلطة الفلسطينية و"حماس". وفي ظل جمود العملية السياسية، وتجاهل السياسة الإسرائيلية المعتدلين في المعسكر الفلسطيني، فإن الشرعية الإسرائيلية على الساحة الدولية ستتبدد بسرعة كلما تواصلت العملية العسكرية في غزة، وكلما ارتفع عدد المصابين من المدنيين الفلسطينيين. بناء على ذلك يجب أن تشمل الاستراتيجيا الإسرائيلية تقديم "جزرة" إلى العناصر المعتدلة في السلطة الفلسطينية من أجل تعزيز مكانتهم، وتوجيه ضربات قاسية جداً ضد العناصر الإرهابية المتطرفة الفلسطينية بهدف إضعافها. كذلك على إسرائيل أن توضح لـ "حماس" أن سلاح الجو لم يستنفد كامل قدرته وما زال لديه مئات الأهداف التي لم يهاجمها بعد.

·       لقد شكل الانفصال عن غزة عملية استراتيجية مهمة خدمت أمن دولة إسرائيل، من هنا يجب الامتناع من العودة إلى الاحتلال الكامل للقطاع، ذلك بأن سيطرة إسرائيل من جديد على مليون ونصف المليون فلسطيني هو خطأ استراتيجي خطر. لكن في حال لم توافق "حماس" على وقف القتال يجب أن يكون الجيش الإسرائيلي مستعداً لعملية برية واسعة النطاق في غزة، ويمكن كخطوة أولى احتلال المناطق الحدودية، وتدمير الأنفاق والمواقع الهجومية التابعة لـ "حماس"، وتقسيم القطاع، وقطع الطريق أمام العناصر الإرهابية.

·       على إسرائيل أن تظهر إصرارها على توسيع الهجوم على "حماس" من أجل زيادة الضغط على الحركة واسترجاع القدرة على الردع في مواجهتها. ونظراً إلى أن سلوك "حماس" في غزة يشبه سلوك الدولة فإنه يتعين على إسرائيل أن تستغل ذلك لمطالبة الحركة بتحمل مسؤولياتها، وفي المقابل عليها البحث عن فرصة لوقف القتال بعد تحقيق أهداف العملية العسكرية.