· يمكن القول إن [رئيس الحكومة الإسرائيلية الأسبق] يتسحاق رابين [الذي أحيت إسرائيل أمس الأربعاء ذكرى مرور 15 عاماً على اغتياله] لم يترك إرثاً مهماً وراءه، وفي حال وجود إرث كهذا فإنه في معظمه إرث سلبي. إن الأمر الإيجابي الوحيد الذي أقدم عليه رابين هو إقرار قانون التأمين الصحي الوطني الذي جعل إسرائيل تتبوأ أحد الأماكن الأولى في العالم فيما يتعلق بجودة المؤسسات الصحية.
· أمّا بالنسبة إلى سائر الموضوعات فإن رابين لم يساهم في أي شيء يُذكر فيها. وقبل اغتياله بفترة وجيزة اعترف بأنه ارتكب خطأ عندما وقّع اتفاق أوسلو [مع الفلسطينيين]. ولا شك في أن هذا الخطأ يعود إلى فكرة التوصل إلى اتفاق مرحلي، على غرار أوسلو، من دون أن تكون مدركاً سلفاً ما الذي سيترتب عليه. وعلى ما يبدو، فإن رابين كان في ذلك الوقت يخشى التوصل إلى اتفاق نهائي، وقام باستغلال ضعف منظمة التحرير الفلسطينية لإجبارها على توقيع اتفاق استسلم الفلسطينيون بموجبه إلى رغبة إسرائيل في التوصل إلى اتفاق سلام نهائي في وقت لاحق مع أن هذه الرغبة لم تكن موجودة لديها أصلاً.
· غير أن الضرر الأكبر الذي ترتب على سياسة رابين يبقى كامنا في المجال الاجتماعي، ذلك بأن ثقافته الاجتماعية ـ الاقتصادية تبلورت خلال شغله منصب السفير الإسرائيلي في واشنطن مباشرة في إثر إنهاء خدمته العسكرية في الجيش الإسرائيلي، وكان فحواها تقديم الدعم الكبير لأصحاب رؤوس الأموال باعتبارهم أسياد الإنتاج الاقتصادي. وبناء على ذلك يمكن القول إن رابين كان أول رئيس حكومة من حزب العمل يتخلى عن الخطاب اليساري المتعلق بالحقوق الاجتماعية. وبمرور الوقت أصبح من السهل جداً على هذا الحزب، الذي لم يعد يسارياً حتى على المستوى النظري، أن يصبح شريكاً في حكومة يمينية جداً [حكومة بنيامين نتنياهو الحالية].
· في ضوء ذلك، إذا كان هناك إرث لرابين فإن فحواه الحقيقي هو إحداث انعطافة حادة في مسيرة حزب العمل جعلته أكثر شبهاً بحزب الليكود أو بحزب كاديما (الذي يُعتبر بدوره حزب ليكود مقنّعاً لا أكثر). وفي واقع الأمر، فإن رابين نفسه كان ليكودياً في العمق، وقد انتُخب لرئاسة الحكومة في سنة 1992 لأن الناخبين الإسرائيليين نظروا إليه باعتباره زعيماً يمينياً يمكنه أن يكسر عظام الفلسطينيين [كما طلب من الجيش أن يفعل ذلك إبان اندلاع الانتفاضة الفلسطينية الأولى].