· أعتقد أن قيادة العرب في إسرائيل بأحزابها كلها تسير عملياً في وجهة تتعارض مع تطلعات الفلسطينيين [في المناطق المحتلة] لإقامة دولة فلسطينية، لأنه على ما يبدو ليس لديها أي مصلحة في إقامة دولة كهذه.
· وقد برز هذا الأمر على نحو جليّ للغاية لدى اندلاع الانتفاضة الفلسطينية الثانية قبل عشرة أعوام [في أواخر أيلول/ سبتمبر 2000]، وذلك عندما قامت قيادة العرب في إسرائيل المؤلفة من الحركة الإسلامية ومن أحزاب يسارية بدفع ناشطيها إلى الخروج إلى الشوارع وإعلان تمرد على دولة إسرائيل ["أحداث تشرين الأول/ أكتوبر 2000"]، الأمر الذي أسفر عن ازدياد تصلب الرأي العام الإسرائيلي إزاء أي تسوية سياسية [مع السلطة الفلسطينية].
· ولا يزال هذا الخطّ المتطرف الذي ميّز هذه القيادة في ذلك الوقت ما زال مستمراً، فمثلاً عندما لمح ياسر عبد ربه، أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، أمس (الأربعاء)، إلى أن منظمته ستكون مستعدة في ظل أوضاع معينة للاعتراف بالهوية اليهودية لدولة إسرائيل، فإن عضو الكنيست جمال زحالقة من حزب "بلد" سارع إلى المطالبة بإقالته من منصبه. وبينما يبدي جزء من القادة الفلسطينيين استعداده لمناقشة ما يسمى "حق العودة"، فإن أعضاء الكنيست العرب غير مستعدين مطلقاً للقيام بذلك. ويمكن القول إن أعضاء الكنيست العرب متطرفون أكثر من القادة الفلسطينيين [في المناطق المحتلة]، ولذا فإنهم يكبحون أي تقدّم محتمل نحو إقامة دولة فلسطينية.
· فضلاً عن ذلك، فإن قيادة العرب في إسرائيل لم تتردد في إقامة علاقات حميمة مع كل من [الرئيس الليبي] معمر القذافي و[الرئيس السوري] بشار الأسد، على الرغم من أن كليهما غير متحمس لإقامة دولة فلسطينية. كذلك فإن الحركة الإسلامية ـ الجناح الشمالي [التي يتزعمها الشيخ رائد صلاح] أقرب إلى حركة "حماس" منها إلى السلطة الفلسطينية. أمّا حزب "بلد"، الذي أسسه عزمي بشارة، فيتعامل مع السلطة الفلسطينية باحتقار بسبب الاتفاقات التي وقّعتها مع إسرائيل، وثمة شك كبير فيما إذا كان يعترف بهذه السلطة أصلاً.
· وفي رأيي، فإن هناك سببين رئيسيين لكون قيادة العرب في إسرائيل أكثر تطرفاً من قيادة السلطة الفلسطينية: الأول مرتبط بالادعاء الراسخ في العالم العربي أن العرب في إسرائيل هم خونة في الظاهر نتيجة استسلامهم لليهود [في سنة 1948]، ذلك بأن هذا الادعاء يضطرهم إلى اتباع خط أكثر تشدداً إزاء إسرائيل كي يبرهنوا على أنهم ليسوا خونة فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية؛ الثاني، هو حقيقة أنه في حال إجلاء عشرات آلاف المستوطنين من أراضي الضفة الغربية فسيتم إسكانهم في كل من الجليل والنقب، أي في قلب المراكز السكانية العربية في إسرائيل، وبالتالي فإن ذلك سيكون على حسابهم.
إن ما يتعين علينا إدراكه الآن هو أن هناك مصالح متناقضة بين العرب في إسرائيل وبين الفلسطينيين [في المناطق المحتلة] في كل ما يتعلق بالتسوية الإسرائيلية ـ الفلسطينية، ذلك بأن نجاح السلطة الفلسطينية في التوصل إلى تسوية يمكن أن يتسبب بكارثة للعرب في إسرائيل. وبناء على هذا، يبدو لي أن الوقت حان لأن نكشف أمام القيادة في إسرائيل وأمام السلطة الفلسطينية حقيقة الدور الذي يقوم به مَن اعتُبروا ذات مرة "جسراً إلى السلام".