· انشغلنا، خلال الأسبوع الفائت، بحدثين بارزين: أولاً، الفضيحة المحرجة مع نائب الرئيس الأميركي، جو بايدن [في إثر مصادقة وزارة الداخلية الإسرائيلية على خطة بناء 1600 وحدة سكنية جديدة في القدس الشرقية في أثناء زيارته لإسرائيل]؛ ثانياً، أعمال الشغب في القدس. ومن أجل فهم ما حدث لا بُد من إجراء مقارنة بين أعمال الشغب هذه، التي سرعان ما توقفت، وبين أعمال الشغب التي جرت في جبل الهيكل [الحرم القدسي الشريف]، في أيلول/ سبتمبر 2000، وأدّت إلى اندلاع الانتفاضة الفلسطينية الثانية.
· لا شك في أن ثمة قاسماً مشتركاً بين الفترتين، من ناحية الاستراتيجيا الفلسطينية، لكنْ ثمة فارق أيضاً. إن القاسم المشترك كامن في أن [رئيس السلطة الفلسطينية السابق] ياسر عرفات و[رئيس السلطة الفلسطينية الحالي] محمود عباس غير راغبين في إجراء مفاوضات مباشرة مع إسرائيل تؤدي إلى اتفاق دائم وإلى اعتراف بدولة يهودية، وبالتالي إلى إنهاء المطالب الفلسطينية. وقد فضّل عرفات، في حينه، كما يفضّل عباس الآن، مع [رئيس الوزراء الفلسطيني] سلام فياض، إجبار إسرائيل على تقديم تنازلات من دون أن يُطالَب الفلسطينيون بدفع أي ثمـن.
· أمّا الفارق فكامن في الطريق التي يُفترض أن يحقق الفلسطينيون غايتهم بواسطتها، ففي حين اعتقد عرفات أن في إمكان الانتفاضة إجبار إسرائيل على الانسحاب من المناطق [المحتلة] من دون اتفاق، وهو الاعتقاد الذي مُني بالفشل عقب عملية "السور الواقي" العسكرية الإسرائيلية، فإن عباس وفياض يعتقدان أنه يمكن تحقيق نتيجة أفضل بواسطة مقاربة أخرى مؤلفة من مرحلتين: الأولى، قيام الفلسطينيين بتقديم براهين للعالم أجمع (وأساساً للولايات المتحدة) تتعلق بقدرتهم على بناء مؤسسات دولة وفرض سيطرتهم على الأرض؛ الثانية، إعلان إقامة الدولة المستقلة، وتوقع صدور قرار من الأمم المتحدة يؤيد ذلك.
· لا شك في أن النموذج الذي يحاول الفلسطينيون محاكاته، هو نموذج كوسوفو. وقد كانت العقبة الوحيدة التي تقف في طريق هذا الحلم الفلسطيني في مجلس الأمن الدولي، هي موقف الولايات المتحدة، ذلك بأن الأميركيين ما زالوا يؤكدون ضرورة أن تكون أي تسوية حصيلة مفاوضات بين الجانبين [الإسرائيلي والفلسطيني].
· وفي واقع الأمر، فإنني لم أعد متأكداً الآن من ثبات المقاربة الأميركية في هذا الشأن، ذلك بأن التقارب المطّرد بين الولايات المتحدة والفلسطينيين، في الآونة الأخيرة، يمكن أن يؤدي أيضاً إلى تقارب في وجهة نظرهما بشأن طريق التوصل إلى حل. وفي حال حدوث ذلك، فإنه سيكون بمثابة الخطر الأكبر على إسرائيل في المدى البعيد، على الرغم من كونه العامل الأهم الذي يمنع أعمال الشغب في يهودا والسامرة [الضفة الغربية] في الوقت الحالي.
· ربما كان في إمكان رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، حتى قبل أسبوعين، الادعاء أن المفاوضات لم تُستأنف بسبب الرفض الفلسطيني، أمّا الآن فإن المسؤولية عن عدم استئنافها تقع على عاتق إسرائيل، ويبدو أن الادعاء بشأن عدم وجود شريك بدأ بالتحوّل، في نظر الأميركيين، نحو إسرائيل.