· عشية نزول رئيس الحكومة إيهود أولمرت المتوقع عن المسرح السياسي، نشهد مطالبات متزايدة بإتمام صفقة ]الجندي المختطف[ غلعاد شاليط مع حركة "حماس" بأي ثمن تقريباً. في المقابل، لا نسمع أصواتاً تطالب أولمرت بالتوصل إلى اتفاق ما مع ]رئيس السلطة الفلسطينية[ محمود عباس من أجل مساعدته ولو قليلاً في صراعه مع "حماس" على السلطة في المجتمع الفلسطيني، أو اتفاق على طريقة لحل النزاع مع إسرائيل.
· نجح إيهود أولمرت وسلفه أريئيل شارون، وكذلك الطامح إلى خلافته شاؤول موفاز، في تطبيق سياسة عقيمة فشلت في تطبيق مبدأ "الأمن يؤدي إلى السلام". وقد تعززت قوة "حماس" بسبب عدم إبداء الاستعداد المطلوب من جانبهم لدفع أثمان مؤلمة لقاء تعزيز قوة محمود عباس، أكان ذلك عن طريق خطوات من طرف واحد أو عبر اتفاقات. ويُنظر إلى حركة "فتح" على أنها طرف يضيع وقته في مفاوضات عقيمة مع إسرائيل التي تعزز سيطرتها على الضفة الغربية بصورة حثيثة.
· يتضمن الاتفاق الجاري بلورته بين إسرائيل وحركة "حماس" إطلاق مئات من الأسرى الفلسطينيين، وإطلاق نواب تابعين للحركة، وفتح معبر رفح، وذلك في مقابل إطلاق ]الجندي الأسير[ غلعاد شاليط. وإزاء هذا الإنجاز غير المسبوق لحركة "حماس"، سيبقى محمود عباس خالي الوفاض من أي إنجاز سياسي له انعكاسات منظورة في المدى القريب أو المدى البعيد على مستقبل الفلسطينيين. وفي ظل غياب أي رصيد مهم، حتى لو كان في هيئة تحسين الحياة اليومية لسكان الضفة الغربية، فإن قدرة عباس على مواجهة المعارضة الداخلية، أو دمج "حماس" في م.ت.ف. تحت سيطرته، تبقى محدودة للغاية.
· بالإضافة إلى ذلك فُتح باب الصراع مجدداً بين عباس و"حماس" بشأن السيطرة ]في الساحة الفلسطينية[، وبشأن امتلاك عباس الشرعية للتفاوض مع إسرائيل. وتركّز "حماس" أولاً على قضم سيطرته في غزة عن طريق رفض اقتراح نشر قوة عربية في القطاع، والذي يحظى بتأييد مصر. علاوة على ذلك، ترفض "حماس" فكرة إجراء انتخابات جديدة ما لم تكن جزءاً من اتفاق شامل يشمل المجالات كلها، بما في ذلك إعادة بناء م.ت.ف. على نحو يحقق استراتيجيا "حماس" ما قبل انتخابات سنة 2006.
· إن صفقة شاليط التي ارتكبت حكومة أولمرت أخطاء لا تُعد ولا تُحصى فيها يجب تحقيقها. لكن يقع على أولمرت أو خلفه من حزب كاديما واجب تقديم إنجاز مواز فيما يتعلق بالعملية السياسية. ليس بوسع الطرفين في هذه المرحلة التوصل إلى اتفاق نهائي على كل القضايا المركزية المدرجة في جدول الأعمال، ويجب الاكتفاء باتفاق أكثر تواضعاً، على أن يكون أكثر تحديداً من سلسلة التصريحات المبهمة التي رافقتنا منذ خريطة الطريق حتى مؤتمر أنابوليس. إن اتفاق مبادئ تفصيلياً بشأن القضايا كلها سيخلق لأول مرة قاعدة عملية لاستمرار المفاوضات كلها.
· إن اتفاقاً من هذا النوع لن ينهي المفاوضات التفصيلية اللازمة، لكنه سيمنح عباس القوة والشرعية في حروبه الداخلية، ويحافظ على استمرارية المفاوضات حتى تغيير القيادة المتوقع في إسرائيل والولايات المتحدة، ويشكل وزناً مضاداً مناسباً لمفهوم "حماس" الذي يرى أن "المقاومة هي الخيار الاستراتيجي حتى تحرير الشبر الأخير من أرض فلسطين وعودة آخر اللاجئين".