· على الرغم من محاولات الولايات المتحدة عزل الرئيس السوري بشار الأسد وتصويره على أنه "شخصية هامشية"، فإن من يتتبع الخطوات السياسية التي قام بها الزعيم السوري خلال الأشهر القليلة الفائتة، يتبين له مدى الأهمية التي يتمتع بها. فقد حل ضيفاً على ]الرئيس الفرنسي[ نيكولا ساركوزي، واستضافه في دمشق، واستُقبل بحفاوة في نيو دلهي، وتعانق مع ]الرئيس التركي[ رجب طيب أردوغان، وتبادل الابتسامات في موسكو، وجلب ]رئيس الحكومة الإسرائيلية[ إيهود أولمرت إلى طاولة المفاوضات بعد ثمانية أعوام من الجمود العميق.
· القدس لم تحصل على أي مكسب من المفاوضات الإسرائيلية ـ السورية، لكن الأمر بالنسبة إلى دمشق مختلف: فحتى الآن، تبدو المفاوضات في إستنبول بداية لخروج سورية من العزلة الشديدة التي فُرضت عليها. والأهداف التالية للأسد هي إزالة الجمود في العلاقات مع دول أوروبية أخرى، وفتح قناة جديدة للحوار مع واشنطن، الأمر الذي قد يحدث في كانون الثاني/ يناير المقبل، لدى تغيّر الإدارة في الولايات المتحدة.
· بعد ثلاثة أعوام من اغتيال ]رئيس الحكومة اللبنانية السابق[ رفيق الحريري، وخمسة أعوام من اندلاع الحرب في العراق، تدرك الأسرة الدولية أن الحملة العالمية لمعاقبة دمشق لم تؤت الثمار المرجوة.
· الصفحة الجديدة التي فتحها الرئيس الفرنسي في علاقاته بالأسد أصبحت ممكنة، إلى حد بعيد، بفضل الضعف النسبي لإدارة ]الرئيس الأميركي[ جورج بوش في الأشهر الأخيرة من ولايتها. ولعل مقاربة الرئيس الفرنسي تؤشر إلى بدية النهاية للعقيدة الأميركية التي فرضت على دمشق مقاطعة شديدة الوطأة.
· رأى ساركوزي أن من الملائم أن يغض الطرف عن الأسلوب العنيف الذي توصلت بموجبه الأطراف المتخاصمة في لبنان إلى حل بشأن مسألة الرئاسة، وذلك كي يعطي ثقلاً لمبادراته الجديدة في بلاد الشام. فالحكومة اللبنانية التي شُكلت في ظل الرئيس الجديد ميشال سليمان أكثر تطرفاً من سابقتها، وأقرب إلى مواقف حزب الله من أي وقت مضى. ولم تقف سورية التي تدخلت في "الطبخة اللبنانية" بواسطة التحكم عن بعد، في طريق حزب الله بل أيدته. ولم يمنع ذلك الفرنسيين من امتداح دمشق على دفعها الحل في لبنان قدماً. لم يكن ساركوزي مسروراً بتشكيل حكومة حزب الله في لبنان، لكنه اختار أن يغض الطرف عن ذلك.
· بعد خمسة أعوام ونصف عام من نشوب الحرب في العراق، وبعد عامين من حرب لبنان، لا يوجد اليوم أي زعيم غربي يفكر بجدية في فرض عقوبات على سورية، أو في القيام بهجوم على أراضيها. وفي إسرائيل هناك كثيرون يعتبرون تجديد المفاوضات معها مكيدة دمشقية الغاية منها رفع الضغط الدولي عن كاهل سورية.