· إن الرد الإسرائيلي على البرنامج النووي الإيراني تبلور في إبان ولاية حكومة أريئيل شارون. ويمكن القول إن تنفيذه يتم، منذ ذلك الوقت، عبر ثلاثة أشكال: الأول، الاتصالات السياسية التي تحاول إسرائيل بواسطتها إقناع الجميع بأن كبح إيران ينطوي على مصلحة للعالم كله؛ الثاني، قيام إسرائيل، وفقاً لما يُنشر في وسائل الإعلام الأجنبية، بعمليات سرية تهدف إلى عرقلة البرنامج النووي الإيراني؛ الثالث، بدء التحضير لعملية عسكرية (نُشرت تفصيلات هذه العملية، في حينه، في سياق مقال بقلم أنتوني كوردسمان، الخبير في الشؤون الاستراتيجية، في صحيفة "وول ستريت جورنال"، بعنوان "خطة الهجوم الإسرائيلية على إيران". وقد استهل المقال باقتباس من تصريحات أدلى بها رئيس هيئة الأركان العامة السابق، دان حالوتس، وذلك على النحو التالي: "سُئل حالوتس: ما هو المدى الذي ستذهب إسرائيل إليه في محاولة إيقاف البرنامج النووي الإيراني؟ فأجاب: 2000 كم").
· وعلى ما يبدو، فإن هذه الأشكال الثلاثة تنطوي على منطق كبير، فالادعاء الإسرائيلي أن كبح إيران مصلحة للعالم كله تم تبنيه بالتدريج في أميركا والاتحاد الأوروبي، كما أن العمليات الإسرائيلية السرية ـ في حال كون ما تنشره وسائل الإعلام الأجنبية صحيحاً ـ أدت إلى عرقلة البرنامج النووي الإيراني، ووفرت مهلة كافية لفرض عقوبات على طهران، في حين أن الخشية جراء احتمال قيام إسرائيل بعملية عسكرية جعلت بعض الحكومات الغربية يشدد الضغوط التي تمارسها على إيران.
· لا شك في أن هذه اللعبة تقترب الآن من مرحلة الحسم. وما زال رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو، ووزير الدفاع إيهود باراك، يلوحان بالورقة العسكرية، ويعلنان أن "الخيارات كلها مدرجة في جدول الأعمال". وتبدو إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما منزعجة للغاية جراء ذلك. ولم يكن من قبيل المصادفة قيام رئيس هيئة الأركان المشتركة للجيش الأميركي، الأدميرال مايكل مولين، بزيارة إسرائيل كي يوضح لها أن هناك فيتو أميركياً على أي عملية عسكرية إسرائيلية ضد إيران. كما أنه لم يكن من قبيل المصادفة توجيه دعوة إلى باراك لزيارة واشنطن، والزيارة التي ينوي نائب الرئيس الأميركي، جو بايدن، القيام بها لإسرائيل، بدءاً من الاثنين المقبل.
· بناء على ذلك، فإنه من الصعب الاعتقاد بأن نتنياهو سيقدم على اتخاذ قرار حاسم يقضي بمهاجمة إيران، ذلك بأنه سيكون قراراً خطراً وشديد الوطأة على إسرائيل. ولعل من المنطقي أكثر الافتراض أن نتنياهو وباراك مستمران في لعبة التلويح بالورقة العسكرية كي يكون لديهما تفسير معقول في حال امتلاك إيران أسلحة نووية. وربما سيكون فحوى هذا التفسير هو أنهما قاما بإعداد خطة عسكرية جريئة ورائعة [من أجل كبح البرنامج النووي الإيراني]، غير أن الإدارة الأميركية وقيادة الجيش الإسرائيلي حالتـا دون تنفيذها، ولذا، فإنهما تتحملان المسؤولية الكاملة عن تحوّل إيران إلى دولة نووية.