انتفاضة، الآن؟
تاريخ المقال
المصدر
مركز موشيه دايان للأبحاث شرق الأوسطية والأفريقية
–
"تسومت همزراح هتيخون"، المجلد الثالث، عدد خاص رقم 1020
تأسس في سنة 1959 بالتعاون مع جامعة تل أبيب. وهو مركز متعدد المجالات، ينشر دراسات تتعلق بالنزاع الإسرائيلي- الفلسطيني، كما يُعنى بالموضوعات السياسية والاجتماعية والاقتصادية في الدول العربية والدول الأفريقية. ولدى المركز أهم مكتبة للمصادر العربية من كتب ومجلات وصحف. وتصدر عن المركز سلسلة كتب مهمة في مختلف المجالات، ولديه برامج تدريب ومنح أكاديمية.
- سُجّل في الأشهر الأخيرة ارتفاع حاد في الحوادث الأمنية الموجهة من أفراد أو فصائل فلسطينية ضد إسرائيليين. ويطرح التفات الرأي العام إلى هذه الظاهرة السؤال الملح التالي: هل هذه بشائر انتفاضة؟
- حتى الآن، لا يبدو أن سلسلة الحوادث الأمنية الأخيرة تنذر بانتفاضة ثالثة، ولكن يبدو أنها نتائج غير منسقة على الأرجح لمسارين حاليين: المفاوضات السياسية بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية من جهة، ووضع حركة حماس الصعب على الصعيدين الإقليمي والداخلي من جهة ثانية.
- وبالإضافة إلى ذلك، هناك أعمال فردية غير متصلة بالضرورة بهذين المسارين نابعة من دوافع شخصية تسهم في تزايد عدد العمليات.
فعلى سبيل المثال، قتل الجندي عيدان أتياس على يد شاب فلسطيني يزعم أنه قام بذلك انتقاماً لسجن أحد أقاربه. - قد يكون من المفيد في هذا الإطار تعقب ديناميات شبكات التواصل الاجتماعي التي تشكل اليوم أداة رئيسية في التنظيم السياسي، علماً بأن هذا لا يضمن توقع الانتفاضة مسبقاً. ويعبّر الكثير من مستخدمي هذه الشبكات في الضفة الغربية عن تخوفهم من حصول عملية إسرائيلية واسعة تؤدي إلى سقوط العديد من الفلسطينيين، وخصوصاً من إمكانية خروج استفزازات [المستوطنين من] جماعة "تاغ محير" [جباية الثمن] المتطرفة عن كل سيطرة، الأمر الذي قد يؤدي إلى كرة ثلج من حوادث احتجاج قد تتحول في نهاية المطاف إلى انتفاضة مستمرة.
- وعلى الرغم من أن الجانبين الإسرائيلي والفلسطيني يشكان في إمكانية نجاح المفاوضات، فإن معاودتها يهيّئ مناخاً مريحاً لدى أقسام واسعة من الجمهور الفلسطيني، والذكرى الأليمة لانتفاضة الأقصى باقية حتى الآن وتشكل كابحاً رادعاً. يضاف إلى ذلك مناخ عدم الاستقرار الإقليمي في أعقاب الربيع العربي. كما ينبغي أن نأخذ في الحسبان الاستقرار الاقتصادي في الضفة الغربية، لا بل الانتعاش الاقتصادي النسبي في العام الأخير.
- وعليه، كيف يمكن تفسير التصعيد الحالي؟
- هناك النمط المعهود وهو أن المنظمات المتطرفة على الساحة الفلسطينية تكثف عملياتها كلما استعيد مسار المفاوضات السياسية.
- غير أنه حدث تغيّر لافت في هذا النمط في الأعوام الأخيرة: فحركة حماس التي كانت في تسعينيات القرن العشرين المنفذ الرئيسي للعمليات، ليست معنية اليوم بتصدر هذه الجبهة لأسباب براغماتية على رأسها الحفاظ على رصيدها السياسي المتراكم منذ السيطرة على قطاع غزة في العام 2007، علماً بأن رؤية الحركة لا تختلف كثيراً عن رؤية الفصائل الأخرى المناهضة لإسرائيل، وعلى رأسها تنظيم الجهاد الإسلامي الذي ازداد قوة منذ التسعينيات وأصبح بمثابة وكيل أعمال لإيران.
- ولكن، وبرغم اعتبارات البقاء، يصعب على حركة حماس إبداء معارضة صريحة لنشاط منظمات كالجهاد الإسلامي وسائر الفصائل المتشددة الأخرى، فتحاول بالتالي شق طريقها بين سندان هذه الفصائل والمطرقة الإسرائيلية.
- بيد أنه منذ اندلاع الربيع العربي طرأت متغيرات جديدة بدّلت البيئة الجيوسياسية التي تعمل فيها حركة حماس. فمن ناحية، شكل صعود جماعة الإخوان المسلمين إلى سدة الحكم في مصر فاتحة أمل بالنسبة للحركة. ومن ناحية أخرى، أجبرت الحرب الأهلية الدامية في سورية حركة حماس على التخلي عن مشاركتها في محور "المقاومة" الذي تقوده إيران ويضم كلاً من حزب الله والجهاد الإسلامي، بسبب دعم هذا المحور للأسد.
- وكان من المفترض أن تستفيد الحركة من التغيير الاستراتيجي المتمثل في الدعم المهم الذي تلقته من مصر بقيادة مرسي، خصم الأسد، لكن إزاحة جماعة الإخوان المسلمين عن السلطة في الصيف الفائت أحرقت جميع الأوراق. فالحكومة المصرية الجديدة بقيادة الجنرال السيسي، حوّلت حماس إلى اسم مرادف للإرهاب وحاربت الحركة بقسوة، ودمرت مئات أنفاق التهريب التي هي بمثابة أنبوب الأوكسجين الاقتصادي والعسكري لقطاع غزة. وتسببت هذه التطورات بعزلة سياسية للحركة وبمعاناة اقتصادية انعكست مباشرة على الواقع في قطاع غزة.
- ومع أن المجاعة لا تسود القطاع لكن هناك نقصاً خطيراً في الوقود وساعات التغذية بالكهرباء تصل إلى أربع ساعات فقط في اليوم. ويمكن بوضوح رصد شعور سكان القطاع بالإحباط، والموجه بدرجة كبيرة ضد الحركة، عبر شبكات التواصل الاجتماعي.
- على هذه الخلفية، وفضلاً عن الضغوط الداخلية في قطاع غزة من قبل الفصائل المنافسة، تخشى الحركة فقدان مشروعيتها وتضرر سيطرتها. ومن هنا، ظهرت أخيراً دلائل تقارب بين حركة حماس ومحور جبهة المقاومة وإيران مثلما رشح من تصريح لمحمود الزهار في 10/12/2013- علماً بأن الزهار عارض من الأساس الابتعاد عن إيران. ومن شأن هذا التقارب أن ينعكس عبر سياسة أكثر تساهلاً حيال الاعتداءات التي تحاول تنفيذها الفصائل المتشددة وعلى رأسها تنظيم الجهاد الإسلامي.
- كما ان حركة حماس لا تزال تراهن على فشل المفاوضات السياسية، وقد سمعت أخيراً في هذا الخصوص تصريحات غير قليلة على لسان الناطقين باسم الحركة.
- ومن جهة أخرى، فإن العمليات المنفذة ضد إسرائيل داخل الضفة الغربية لن تؤدي بالضرورة إلى عمليات انتقامية ضد حركة حماس في قطاع غزة، وهكذا تستطيع الحركة تفادي تدهور إضافي في وضعها.
- لكن دوائر السلطة الفلسطينية تعي أن هناك محاولات لزعزعة الاستقرار في الضفة الغربية. ومن هنا، يتواصل التعاون الأمني الناجع مع إسرائيل من خلال الرؤية القائلة بأن التدهور لا يخدم علاقات الفلسطينيين بإسرائيل، ولا علاقات الفلسطينيين بالأسرة الدولية، ولا مكانة السلطة على الساحة الفلسطينية الداخلية. أما اللاعبون الرئيسيون في هذا الإطار فهم رجال الأجهزة الأمنية للسلطة الذين ازداد نشاطهم منذ انتهاء الانتفاضة الثانية.
- وفي الختام، ما دام هذان المساران مستمرين – أي المفاوضات السياسية من جهة وزيادة الضغوط على حركة حماس من جهة ثانية – ستتواصل الأعمال العدائية على ما يبدو.
- لكن وعلى الرغم من تنامي هذه العمليات، فهي لا تنذر بالضرورة بانتفاضة شعبية واسعة النطاق على المدى القريب. ومع ذلك، إذا لم تسفر المفاوضات عن نتائج ملموسة، أو إذا طرأ عنصر جديد غير متوقع ومؤثر في منظومة القوى الحالية، فليس هناك ما يضمن ألاّ يلعب "جيل المعنيين" من الشباب دورهم المعهود في حمل القسط الأكبر من الانتفاضات على أكتافهم.