· قبل أقل من عام توقع وزير الدفاع إيهود باراك سقوط الرئيس السوري بشار الأسد في غضون أسابيع، لكن الأشهر مضت، والأسد لا يزال في الحكم، وبالتالي أصبح من الممكن وضع مواقف باراك في الإطار نفسه مع تقويمات الاستخبارات العسكرية التي فشلت أيضاً في التنبؤ بسقوط نظام حسني مبارك، وفي استشراف التطورات الهائلة الأخرى التي تشهدها المنطقة. في المقابل، لم يعد الكلام عن سقوط "حكم بشار الأسد" مهماً، كذلك لم تعد التقديرات بشأن قدرته على الصمود ذات شأن، وذلك في ضوء تخطي عدد القتلى السوريين يومياً المئة قتيل، واضطرار الجيش الإسرائيلي في الأسبوع الماضي إلى إخلاء عدد من السياح في جبل الشيخ بعد أن لاحظ اقتراب مجموعة من المسلحين من السياج الحدودي.
· في الفترة الأخيرة، تحدث ضابط كبير في الجيش عن احتمال تقسيم سورية إلى عدة مناطق نفوذ، بحيث يمكن أن يكون بشار الأسد على رأس إحدى هذه المناطق، مثل دمشق، أو مدن أخرى، لكنه، على الأرجح، لن يكون رئيساً لسورية كلها.
· وعملياً، فإن هذا ما يحدث اليوم، إذ نجد أن المناطق الواقعة شمال شرق سورية، وجزءاً من المناطق الحدودية مع تركيا، والمناطق الكردية، تشهد اليوم نوعاً من الحكم الذاتي، كما باتت خاضعة لسيطرة معسكر القوى المناوئة للنظام.
· لم يعد مهماً ما إذا كان بشار الأسد سيسقط أم لا، وإنما المهم اليوم هو أن ما يحدث في سورية يشكل نموذجاً للعالم الجديد الذي يحيط بإسرائيل. فالدول العربية، التي هي نتاج مصطنع للاستعمار، بدأت تضعف، وبدأ جزء منها يتفكك، وبالتالي اختفى خطر الحرب "الكبرى" التي كانت تهدد إسرائيل، وحلت محله أخطار جديدة لا تزال طبيعتها غامضة، وهي موزعة في أكثر من مكان، ومن الصعب جداً فك رموزها، كما أنها تشكل خطراً مهماً على وجود إسرائيل.
.......
· ترى مصادر في الجيش الإسرائيلي، أنه حتى لو كان الأسد مستعداً للتخلي عن الحكم، لا يوجد في سورية عنصر مهيمن يستطيع أن يتولى السلطة فيها. فقد بات الوضع في سورية شبيهاً بالوضع في لبنان، حيث تتدخل أطراف كثيرة فيه وتتقاطع فيه النزاعات الإقليمية والدينية، فهناك السعودية ودول الخليج وتركيا ضد إيران، وهناك إسرائيل والغرب ضد العناصر التابعة للإرهاب العالمي. وكل هذا يجعل من الصعب وضع حد للحرب الأهلية، لأن الأمر يحتاج إلى تدخل طرف قوي ومعروف من أجل التوصل إلى تسوية، فضلاً عن أن التدخل الدولي يطرح الكثير من الإشكاليات. ففي ليبيا كبح الغرب القذافي ووقف إلى جانب الثوار، لكن في سورية، لمصلحة مَن سيكبح الغرب الأسد؟
· لقد تعلمنا من التاريخ أن الدولة الفاشلة تجذب إليها العناصر المتطرفة في العالم، وهذا ما حدث في لبنان في الماضي، وهذا ما يحدث اليوم في سورية، مع فارق وحيد هو أن كميات الأسلحة المتنوعة في سورية تفوق أضعاف الأضعاف تلك التي كانت في لبنان. وفي هذا السياق فإن الثورا ليسوا بحاجة إلى مساعدة، فهم يستخدمون مخازن السلاح المنتشرة في طول البلد وعرضه.
· إن هذه التغييرات تجعل أجزاء كبيرة من العقيدة الأمنية الكلاسيكية لإسرائيل عديمة الجدوى. فإذا ما أخذنا المبادىء الكلاسيكية الثلاثة لهذه العقيدة أي، الردع والإنذار والحسم، نجد أن كل مبدأ من هذه المبادىء، في حال طُبق على الوضع الحالي، هو أشبه باستخدام صاروخ واحد لوقف تقدم فرقة سورية مدرعة في اتجاه الحدود.
· من المعروف أن الردع يكون محدودا وموقتاً، وأحياناً يؤثر سلباً في عنصر آخر، ففي الإمكان ردع تنظيم قوي مثل حزب الله، لكن لا يمكن ردع مَن يطلق صاروخاً من مخزن سوري مهجور على إسرائيل، على الرغم من قوة الجيش الإسرائيلي، ذلك بأن مَن أطلق الصاروخ ليس مسؤولاً عن الأرض التي يتواجد عليها، ولا يهتم إذا ما أحرقنا هذه الأرض رداً على الصاروخ الذي أطلقه، كما أن ليس لديه هدف سياسي قريب. فعلى سبيل المثال، نجد أن هدف القاعدةهو زرع الفوضى في المناطق الآمنة بواسطة الهجمات الكبيرة، لأن الفوضى تمثل انتصاراً بالنسبة إليها.
· أمّا مسألة الإنذار فتشكل موضوعاً آخر، ذلك بأن ما سيشعل الحرب المقبلة ليس القرار الذي سيتخذه نظام معين أو تنظيم كبير. لقد شكلت سورية هدفاً استخباراتياً أساسياً بالنسبة إلى الأجهزة الإسرائيلية، وشكلت هذه المعلومات الاستخباراتية مصدراً يمكن الاعتماد عليه في التحذير من الحرب. ففي الأعوام الماضية كان في الإمكان التقدير أن الأسد لن يرد على الهجوم على المنشأة النووية في دير الزور، لكن ثمة شكاً كبيراً اليوم فيما يتعلق بالتحذير من الحرب المقبلة.
· وبالنسبة إلى مبدأ الحسم، فالأسئلة التي تُطرح هي: ضد مَن؟ وضمن أي فترة زمنية؟ وتحقيقاً لأي هدف؟ في العالم الجديد، يكون هدف القوي، وإسرائيل دولة قوية، العودة في أسرع وقت إلى الوضع القائم، فلا قدرة لإسرائيل على فرض نظام جديد، ولا يمكنها التمييز، في الفوضى القائمة، بين الأطراف التي تواجهها. في المقابل، ثمة مشكلة تكمن في أن الجمهور الإسرائيلي ما زال أسير العالم القديم من الانتصارات الواضحة، وهو يرغب في تحقيق حسم لم يعد ممكناً.
· في الجبهة الشمالية، يجري الاستعداد للعالم الجديد، من تعزيز العوائق المادية على الحدود لمنع محاولات تسلل المقاتلين والسلاح، إلى إعادة بناء البنية التحتية للحدود التي جرى إهمالها منذ عهد اتفاقات فصل القوات في السبعينيات. وحتى الآن انتهى العمل على منطقة طولها نحو 20 كيلومتراً.
· في الفترة الأخيرة قام رئيس الاستخبارات العسكرية أفيف كوخافي بجولة على الحدود، وبحسب الناطق باسم الجيش الإسرائيلي فإن الهدف منها كان التشاور مع كبار قادة الجيش والوحدات العسكرية في الجولان ومع ضباط الاستخبارات، من أجل التنسيق بين الأجهزة، ولدراسة أساليب جمع المعلومات والتحري عن المخاطر في المنطقة. أي بكلام آخر، يدرك كوخافي أن المطلوب استخبارات جديدة مع أهداف جديدة وأدوات جديدة، وذلك بعد أن أصبحت المنظومات التي جرى بناؤها طول عشرات الأعوام، والتي كلفت الكثير من المال، عديمة الجدوى.