· ثمة موضوع لن نسمع عنه كلمة واحدة في المعركة الانتخابية الآخذة في الاحتدام، وهو الموضوع الفلسطيني الذي لم يعد في سلم أولوياتنا. بيد أن الحقيقة البسيطة تشير إلى أنه في حال لم نرسّم الحدود بيننا وبين الفلسطينيين، فإن هذا يعني نهاية الرؤية الصهيونية بشأن وطن قومي للشعب اليهودي في دولته الديمقراطية. من هنا ضرروة التوصل إلى حل سياسي للنزاع الإسرائيلي - الفلسطيني، باتفاق أو من طرف واحد، على أساس مبدأ الدولتين لشعبين، بغض النظر عن مدى شعبية هذا الموضوع في الحملة الانتخابية.
· إن خطابي رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو في الأمم المتحدة ورئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، كانا موجهين قبل كل شيء إلى الداخل، ثم إلى المجتمع الدولي، وذلك لتبرير مشاعر اللامبالاة والإحباط وعدم الثقة. فبدلاً من أن يتحاور نتنياهو وعباس بعضهما مع بعض تراشقا بالاتهامات. كذلك لم يحمل خطاب رئيس الحكومة الإسرائيلية رسالة واضحة إلى الجمهور الإسرائيلي تشرح أهمية حل الدولتين بالنسبة إلى مستقبل إسرائيل، وكل ما سمعناه هو كلام مكرر ومنمق عن الموضوع الإيراني الذي يشغلنا منذ مدة.
· وعلى الرغم من أهمية الموضوع النووي الإيراني على جدول أعمال الانتخابات في إسرائيل، فإن على جميع الأحزاب المتنافسة أن تدرك العلاقة القائمة بين كبح إيران وبين إحراز تقدم ما على صعيد المسار الفلسطيني. فمن شأن أي تقدم نحو حل النزاع الإسرائيلي - الفلسطيني أن يعزز قوة الولايات المتحدة، وأن يسهل قيام جبهة دولية ضد إيران تشمل دولاً من المنطقة. من هنا ضرورة تهدئة العلاقات بين القدس وواشنطن، كذلك يتعين على الحكومة الحالية، أو تلك التي ستحل محلها، السماح للرئيس الأميركي بمواصلة جهوده في التنسيق والتحضير في أجواء عمل مؤيدة ورصينة وجدية، وبصورة خاصة هادئة.
· إن المصلحة القومية الإسرائيلية تقتضي، بالإضافة إلى السعي نحو استئناف الحوار السياسي، أن تقوم الحكومة الإسرائيلية بطرح مبادرة سياسية مستقلة. ومما لا شك فيه أن في إمكان هذه الحكومة الدفع قدماً في اتجاه واقع إقليمي يقوم على حل الدولتين لشعبين. كما يجب أن تقوم هذه السياسة على التنسيق الوثيق مع المجتمع الدولي، وعلى رأسه الولايات المتحدة الأميركية.
· يتعين على إسرائيل الانفصال عن الفلسطينيين والاستعداد لإخلاء المستوطنات المعزولة بعد التوصل إلى اتفاق. وفي حال تعذّر الاتفاق، علينا أن نحسم هذا الموضوع من خلال استفتاء شعبي أو من خلال انتخابات عامة، وفي جميع الأحوال فإن أمن إسرائيل القومي منوط بهذ الخطوة.
· والسؤال الذي يطرح نفسه هو التالي: لماذا لا تستأنف إسرائيل المفاوضات مع الفلسطينيين، على الأقل من أجل التوصل إلى ترتيبات جزئية وبالتدريج من دون شروط مسبقة؟ إن في إمكان هذه الترتيبات أن تشمل موضوعات الحدود والأمن والاقتصاد، وبعد ذلك يمكن الاستمرار في المفاوضات بشأن الموضوعين اللذين يشكلان جوهر النزاع، أي القدس واللاجئون.
· في المقابل، على إسرائيل أن تستعد مسبقاً للقيام بخطوات أحادية الجانب تؤدي إلى الانفصال عن الفلسطينيين والعمل بالتدريج على إيجاد واقع الدولتين القوميتين. ومن بين هذه الخطوات: إعداد خطة وطنية لاستيعاب المستوطنين الذين سيعودون الى دولة إسرائيل ضمن حدودها المعترف بها، سواء أجرى ذلك باتفاق أم من دونه؛ يجب تجميد البناء شرقي جدار الفصل وفي الأحياء العربية في مدينة القدس؛ يجب سن قانون بشأن الإخلاء الطوعي والتعويض والاستيعاب للمستوطنين الذين يسكنون شرقي جدار الفصل، الأمر الذي سيسمح لمن يرغب من المستوطنين بالانتقال للعيش داخل حدود الخط الأخضر أو داخل الكتل الاستيطانية، من دون أن يكون لذلك علاقة بالتوصل إلى حل مع الفلسطينيين.
· من هنا، على إسرائيل، في ظل التطورات الحالية التي يمر بها العالم العربي، أن تبدي استعدادها للعودة إلى المفاوضات السياسية مع دول العالم العربية، ذلك بأن هذه السياسة هي الأكثر حكمة أيضاً لمواجهة الخطر الإيراني. فإذا ما واصلنا العيش من دون مبادرة سياسية من جانبنا، سنصل في نهاية الأمر إمّا إلى حرب أهلية تؤدي إلى تفكك المجتمع الإسرائيلي، وإمّا إلى دولة يهودية - فلسطينية، وإمّا إلى دولة ابرتهايد.