التسونامي السياسي وصل
المصدر
هآرتس

من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".

المؤلف

 

  • تحققت أخيراً المخاوف التي أثارها الربيع العربي في إسرائيل، عندما اقتحم المتظاهرون السفارة في القاهرة وطردوا الدبلوماسيين الإسرائيليين من مصر. ويذكّر إخلاء طاقم السفارة على عجل في طائرة لسلاح الجو، بعد تدخل الرئيس الأميركي باراك أوباما، بأحداث الثورة الإسلامية في إيران سنة 1979. وبعد مرور سبعة أشهر على إسقاط متظاهري ميدان التحرير للرئيس المصري حسني مبارك، مزّق هؤلاء المتظاهرون الرمز الأبرز لاتفاقية السلام، أي العلم الإسرائيلي الذي رفرف في العاصمة المصرية طوال 31 عاماً.

     
  • عندما سيكتب المؤرخون في المستقبل رواية انهيار اتفاق السلام الإسرائيلي - المصري، سيبدأون بسرد حوليات أفول نظام مبارك، حين فقدت القاهرة، بالتدريج، سيطرتها على شبه جزيرة سيناء، وتحولت الصحراء إلى منطقة حدودية يرتع فيها مهرّبو الأسلحة، وتجار الرقيق الأبيض، واللاجئون الأفارقة. أمّا اتفاقيات نزع السلاح، التي أبعدت الجيش المصري عن سيناء، فقد تآكلت شيئاً فشيئاً اعتباراً من انسحاب إسرئيل من قطاع غزة، وبصورة متسارعة في الأشهر الأخيرة. وطالب المصريون، مرة تلو أخرى، ونالوا موافقة إسرائيل على نشر مزيد من الجنود المصريين والأسلحة على الحدود، "بصورة موقتة" طبعاً، لاستعادة الأمن والنظام في شبه جزيرة سيناء. وكانت تلك فرصة، من وجهة نظر المصريين، للتفلت من القيود التي فرضوها على أنفسهم في إطار اتفاقية السلام، ولاسترجاع سيادتهم الكاملة على المنطقة العازلة بين قناة السويس والنقب.

     
  • اندلعت أزمة السفارات في أعقاب مقتل خمسة جنود مصريين في 18 آب/أغسطس، خلال حادثة الحدود التي بدأت بالاعتداءات على سيارات إسرائيلية على طريق إيلات. ويبدو أن متظاهري ميدان التحرير، والسياسيين المصريين المحبطين من بطء وتيرة تغيير النظام، قد حولوا غضبهم ضد الهدف الأكثر عرضة للكراهية في القاهرة، أي السفارة الإسرائيلية. ولم يكترث الرأي العام المصري لأسف وزير الدفاع إيهود باراك، أو لوعد إسرائيل بإشراك المصريين في التحقيق بالحادثة. فتواصلت الاحتجاجات، وبعد أسبوع على طرد السفير الإسرائيلي من أنقرة لسبب مشابه ـ استنكاراً لمقتل مواطنين أتراك مُبحرين إلى قطاع غزة ـ أُجبر السفير على مغادرة القاهرة. أمّا الفارق الوحيد بين الحادثتين هو أن الحكومة التركية هي التي بادرت إلى خفض مستوى العلاقات الدبلوماسية، في حين أنه في مصر تكفّل بالأمر متظاهرو الشارع وعارضه النظام.

     
  • يتباهى نتنياهو وحكومته بموقفهما المتصلب الذي يحفظ كرامة الدولة، فرئيس الحكومة مقتنع بصحة رفضه الاعتذار من الأتراك بشأن مقتل مواطنيهم في حادثة الهجوم على الأسطول في العام الماضي. وهو يعتقد أن العالم العربي بأسره يراقب إسرائيل، وأن الاعتذار من تركيا سيُترجم كمؤشر ضعف لا يغتفر. لكن نتنياهو لم يكتف برفض الاعتذار، وعوض أن يهدىء المواجهة مع تركيا، جرّ إسرائيل إلى معركة صراخ خطيرة مع أنقرة. وهدّد رئيس الحكومة التركية، رجب طيب أردوغان، بإرسال الأسطول التركي لمرافقة سفن المساعدات المبحرة إلى غزة، وردّ نتنياهو بزيارة إعلامية لقاعدة سلاح البحر، واقترح وزير الخارجية أفيغدور ليبرمان، الذي يأخذ دائماً مواقف سياسية على يمين نتنياهو، أن تساعد إسرائيل حزب العمال الكردستاني في مقابل الدعم التركي لحركة "حماس" ـ
  • إن نتنياهو وليبرمان جبابرة في وسائل الإعلام، لكن عندما ضيّق المتظاهرون الطوق على الدبلوماسيين المحاصرين في السفارة في القاهرة، تبين أن ليس لإسرائيل أي تأثير مباشر في مصر. واضطر نتنياهو إلى طلب مساعدة خصمه الكبير، أوباما، لإنقاذ موظفي السفارة. ومرة أخرى اتضح أن إسرائيل لا تستطيع تدبر أمورها من دون مساعدة الولايات المتحدة الأميركية.

     
  • ويأمل نتنياهو اليوم أن يعوّض خسارة تحالفه مع كا من تركيا ومصر، بالتقرب من العربية السعودية وجاراتها الخليجية، التي تسعى مثلها لصدّ موجات الربيع العربي الجارفة، والحفاظ على ما تبقى من النظام العربي القديم على حاله. وفي الغرب، يحاول نتنياهو الالتفاف على تركيا من خلال تعزيز العلاقات مع كل من اليونان، وبلغاريا، ورومانيا.

     
  • لكن هذه ليست سوى تعزيات صغيرة. فالتسونامي السياسي الذي تنبأ به وزير الدفاع إيهود باراك حدث قبل الإعلان المتوقع للجمعية العامة للأمم المتحدة بشأن إقامة الدولة الفلسطينية. وبقيت إسرائيل وحيدة في مواجهة كل من إيران، وتركيا ومصر –  اللتين كانتا في السابق من الحلفاء المقربين.