اتفاق المصالحة لن تكون له انعكاسات مباشرة على المفاوضات بين إسرائيل والفلسطينيين
المصدر
معهد دراسات الأمن القومي

معهد أبحاث إسرائيلي تابع لجامعة تل أبيب. متخصص في الشؤون الاستراتيجية، والنزاع الإسرائيلي -الفلسطيني، والصراعات في منطقة الشرق الأوسط، وكذلك لديه فرع خاص يهتم بالحرب السيبرانية. تأسس كردة فعل على حرب تشرين الأول/أكتوبر 1973، بقرار من جامعة تل أبيب؛  وبمرور الأعوام، تحول إلى مركز أبحاث مستقل استقطب مجموعة كبيرة من الباحثين من كبار المسؤولين الأمنيين، ومن الذين تولوا مناصب عالية في الدولة الإسرائيلية، بالإضافة إلى مجموعة من الأكاديميين الإسرائيليين، وهو ما جعله يتبوأ مكانة مرموقة بين المؤسسات البحثية. يُصدر المعهد عدداً من المنشورات، أهمها "مباط عال" و"عدكان استراتيجي"، بالإضافة إلى الكتب والندوات المتخصصة التي تُنشر باللغتين العبرية والإنكليزية.

– مباط عال
المؤلف

·      يوم الأربعاء من الأسبوع الماضي، التقى ممثلون عن "فتح" و"حماس" في غزة وتوصلوا إلى مصالحة كانوا يحاولون التوصل إليها منذ زمن طويل. في الليلة عينها ألغت الحكومة الإسرائيلية اجتماعاً كان مقرراً بين المندوبين الإسرائيليين والفلسطينيين، وفي اليوم التالي صوتت الحكومة بالإجماع بالموافقة على تعليق المحادثات. وتدعي إسرائيل أن أبو مازن الذي يتولى رئاسة السلطة الفلسطينية ومنظمة التحرير الفلسطينية وحركة "فتح"، رفض السلام بتحالفه مع "حماس". لكن في الواقع، فإن تسعة أشهر من المفاوضات التي سبقت المصالحة بين "فتح" و"حماس" (وهناك من يتكلم عن عشرين سنة من العملية السلمية مع قيادة "فتح" كانت تبدأ وتتوقف من دون مشاركة "حماس")، أثبتت أن احتمالات توصل إسرائيل و"فتح" إلى اتفاق يلبي المطالب الدنيا للوسط السياسي لدى الطرفين ضئيلة جداً. لذا، من غير الواضح بتاتاً لماذا لم تحاول إسرائيل بدلاً من تعليق المحادثات، ولا سيما بعد إصرار إسرائيل على أن يتعهد أبو مازن بمواصلتها، استغلال الإعلان عن المصالحة من أجل تحسين موقعها في لعبة تبادل الاتهامات، التي كانت الهدف الخفي الأساسي للمفاوضات طوال الوقت.

·      وعلى الرغم من عدم نشر التفاصيل الكاملة، فإن الخطوط الأساسية لاتفاق المصالحة معروفة وهي: أن يقوم أبو مازن بتأليف حكومة وحدة وطنية من التكنوقراط خلال خمسة أسابيع مهمتها التحضير لانتخابات جديدة للرئاسة والبرلمان خلال ستة أشهر. وأشار عدد من التقارير إلى وجود خطة لإعادة تشكيل منظمة التحرير الفلسطينية الشريك السابق لإسرائيل في المفاوضات.

·      يشكل هذا الاتفاق نقطة الذروة بعد سنوات من المساعي الفاشلة لتحقيق المصالحة بين الحركتين، سواء من خلال نقاشات بشأن إصلاح منظمة التحرير، أو بواسطة محادثات مع أطرف قامت بالوساطة. وكان الهدف توحيد الحكم في السلطة الفلسطينية بعد الانشقاق العنيف الذي وقع بين "فتح" و"حماس" في سنة 2007. وأثمرت هذه المحادثات اتفاقين (اتفاق القاهرة 2011 واتفاق الدوحة 2012)، لكن جميع هذه المساعي انهارت في نهاية الأمر بسبب صراع القوى للسيطرة على أجهزة الأمن وهو ما أثار الخلافات بينهما أكثر من مسألة العلاقة مع إسرائيل.

·      ومع ذلك، فمن الممكن أن يكون مصير الاتفاق الأخير مختلفاً عن الاتفاقات الماضية، لأنه يلبي بصورة مباشرة الحاجات الملحة لدى الطرفين: فهو بالنسبة إلى "حماس" السبيل لتخفيف القيود التي فرضها عليها الحكم العسكري المصري المعادي لها والذي ينظر إليها بوصفها عميلة "للإخوان المسلمين". أما بالنسبة إلى "فتح" فهو يشكل صمام أمان لوقف تدهور شرعية الرئيس بعد مرور ثمانية أعوام على انتخابه، وللضغط السياسي الكبير الذي يخضع له داخل "فتح" بقيادة محمد دحلان.

·      وبالنسبة للطرفين، فالاتفاق هو سبيل لاستخدام "الوحدة الوطنية" التي تحظى بتأييد شعبي، من أجل التخفيف من خيبة الأمل المتزايدة وسط الجمهور في الضفة الغربية وغزة بسبب تدني أداء الحكومتين والخلافات والشجار بينهما. ولهذه الأسباب، فإن حظوظ صمود هذا الاتفاق أكبر من حظوظ الاتفاقات السابقة.

·      لكن على الرغم من ذلك، فإن تجارب الماضي ليست مشجعة، ولا تزال أمور بالغة الأهمية (مثل مصير أسرى "حماس" في سجون "فتح" والسيطرة على أجهزة الأمن) غير واضحة. والأهم من كل شيء، إذا ما جرت الانتخابات، سوف تضطر كل حركة لأن تقرر كيف ستتصرف في حال خسارتها، وهل ستتنازل طوعاً للطرف الفائز عن السيطرة على المنطقة التابعة اليوم لها؟

·      وحتى لو نجحت المصالحة، فإن هذا لن يكون له تأثير كبير في احتمالات التوصل إلى اتفاق شامل بين إسرائيل والفلسطينيين. ومن المحتمل أن تعبر "حماس" عن آراء داخل الحكومة تختلف عن تلك التي تعبر عنها خارج الحكومة، لكن أبو مازن نفسه- في مخاطبته جمهور ناخبيه-  لن يكون مستعداً أو قادراً على الموافقة على الشرط الذي يعتبر الكثير من الإسرائيليين أنه لا يمكن التخلي عنه من أجل السلام الحقيقي، وهو الاعتراف بإسرائيل دولة قومية للشعب اليهودي، أي مبدأ "الدولتين لشعبين" كما ورد في الإعلان التأسيسي للأمم المتحدة في موضوع الصراع الإسرائيلي- العربي- القرار رقم 181 الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة سنة 1948.

·      إن الوحدة الفلسطينية يمكن أن تساعد في التوصل إلى اتفاق سلام، إذا ما دفعت "حماس" أبو مازن للتخلي عن موقفه حيال هذه القضية- وهذا يبدو غير منطقي وأقرب إلى الهذيان.

·      ومع ذلك، فبالنسبة إلى إسرائيل، النقطة الحاسمة ليست تبني الفصائل الفلسطينية اتفاقاً مقبولاً (ففي الائتلاف الحكومي الإسرائيلي أحزاب إسرائيلية تعارض حل "الدولتين لشعبين")، بل ما إذا كان المضمون الفعلي للاتفاق يلبي مطالب إسرائيل، وهل يرتبط تطبيقه بعملية معقدة لإقراره بما في ذلك استفتاء عام فلسطيني "حر وعادل" مع رقابة دولية. وحتى تنضج ظروف الاتفاق الدائم الذي يمكن أن يلبي هذه الشروط، ليس هناك سبب يدفع بالحكومة الفلسطينية التي تضم "حماس"، إلى الامتناع عن مواصلة السعي إلى ترتيبات لإدارة النزاع (وهذا ما تسعى إسرائيل إلى تحقيقه مع "حماس" في ما يتعلق بغزة)، بما في ذلك ترتيبات تشبه الآلية الدولية الموقتة التي سمحت باستمرار تمويل السلطة الفلسطينية وعملها خلال السنتين 2006 و2007.

·      ونظراً إلى أن تطور عملية المصالحة بين "فتح" و"حماس" لن تكون لها انعكاسات مباشرة على عملية المفاوضات بين إسرائيل والفلسطينيين، فإن المنطق القائم في أساس قرار الحكومة الإسرائيلية بتعليق المفاوضات رسمياً، غير مفهوم. وبدلاً من أن تُتهم بأنها استغلت أول فرصة من أجل رأب الصدع داخل الائتلاف الحكومي، كان في إمكان الحكومة العمل على تحميل الطرف الآخر المسؤولية، وجعل "حماس" تضطر إلى توضيح موقفها حيال إسرائيل، ونظرتها إلى المفاوضات.

·      في الختام، من الواضح أن الهدف هو نحو التوصل إلى اتفاق سلام بعد المفاوضات، لكن هذا الهدف لا يبدو واقعياً في المدى القريب وليس هو الهدف الوحيد. ففي الوضع الحالي، ما يبدو أكثر إلحاحاً هو النجاح في إدارة النزاع وليس حله، في مقابل تحصين مكانة إسرائيل الدولية سياسياً. إن وضع السلطة الفلسطينية ومنظمة التحرير الفلسطينية مع "حماس" التي ستنضم إليها بعد الإصلاح، أمام تحدي القبول بالشرعية الدولية التي تضمنتها مبادئ اللجنة الرباعية، أي الاعتراف بإسرائيل، ووقف العنف، والموافقة على الاتفاقات القائمة بين إسرائيل والفلسطينيين، من شأنه الدفع قدماً بأهداف إسرائيل الثانوية وربما الأساسية أيضاً.