· إن حركة حماس تنظيم إسلامي متعصب بحكم سماتها غير الديمقراطية وطريقة تقديمها المساعدات للعائلات، كسائر الجماعات الدينية الأخرى في العالم. ففي مرحلة معينة كانت حركة حماس تبدو في نظر حكومات إسرائيل بديلاً مناسباً لمنظمة التحرير الفلسطينية الوطنية. لكن في مرحلة لاحقة، وبهدف كسب تأييد الشباب، لجأت حركة حماس إلى أسلوب الكفاح العنيف، واعتبرت اتفاق أوسلو خيانةً للأهداف الإسلامية والفلسطينية، وحاربته بنجاح لا بأس به. ولم تكن الحركة يوماً عضواً في منظمة التحرير الفلسطينية. وهكذا، عندما أُجريت الانتخابات التشريعية والرئاسية الفلسطينية، لم تخضها الحركة كي لا تعطي مشروعيةً للمسار السياسي الذي ولَّد هذه المؤسسات. وأَمِلَ الكثيرون في إسرائيل وفي أنحاء العالم أن يؤدي اتفاق السلام مع منظمة التحرير الفلسطينية وتحسين الوضع الاقتصادي في الجانب الفلسطيني، إلى تقليص كبير للتأييد الشعبي الذي تلقاه الحركة، والنابع أساساً من الإحباط وليس بالضرورة من إيمان ديني متّقد.
· ثم أتى [الرئيس الأميركي] جورج بوش الابن، وطالب إسرائيل بالسماح لحماس بالمشاركة في انتخابات العام 2006. وكان الأمر شديد الغرابة، لأن برنامج الحركة لا يجيز لها الاشتراك في الانتخابات بموجب الاتفاق الانتقالي الموقَّع في [أيلول/سبتمبر] 1995. وقرر آنذاك أريئيل شارون في أسابيعه الأخيرة كرئيس للحكومة الإسرائيلية، الاستجابة لطلب الرئيس الأميركي. وأعترف بأنني فوجئت كثيراً بهذا الأمر. وحاولت جهات غير قليلة في الغرب، وأصوات خافتة من داخل منظمة التحرير الفلسطينية، إقناع شارون بعدم الاستجابة للطلب الأميركي. لكن في إسرائيل، ولسبب ما، ولعلها التقديرات الرائجة بأن حماس لن تحصد تأييداً واسعاً، لم تتحول المسألة إلى قضية مركزية. وأذكر أنني وسيلفان شالوم [وزير الخارجية حينها] تنقلنا بين استديوهات محطات التلفزة المتعددة كي نشرح حجم الخطأ. ولكن لم يدرك كثيرون آنذاك ماذا كان يفعل هذان الرجلان، ولماذا هما ضد الديمقراطية إلى هذا الحد.
· ومما يدعو إلى السخرية أن تجري الموافقة على مشاركة حركة حماس في الانتخابات البرلمانية. وقد فعل شارون ذلك- حسب ما قال لي- انطلاقاً من اقتناعه الدفين بأنه لا يوجد أي فرق بين حركتي فتح وحماس، وباعتبارها لفتة بسيطة مهداة إلى الرئيس الأميركي. لكن النتيجة كانت مفاجئة: نجاح لافت لحركة حماس خلافاً لكل التوقعات. وعندما حاولت حركة فتح وجهات عديدة في العالم منع حماس من تحقيق انتصارها، تمّت السيطرة العنيفة لحركة حماس على قطاع غزة.
· يمكن العودة إلى تحليل الأحداث في أواخر العام 2005، وإلى كيفية تورّطنا في وضع يفرض علينا المناورة بين حركة حماس في قطاع غزة، والضفة الغربية، من خلال إدراكنا بأنه لا يمكن ابتلاع هذا التنظيم، مثلما لا يمكن ارتجاعه. بيد أن هناك أمراً واحداً لا يمكننا فعله- لا يمكن القول إنه ينبغي لنا أن نحول دون تحول إسرائيل إلى دولة ثنائية القومية، وبعد ذلك نعاقب منظمة التحرير الفلسطينية ونوقف المحادثات معها من جراء سعيها إلى إقامة إطار مشترك مع حركة حماس.
· إن من يريد منع نشوء دولة ثنائية القومية، يجب ألا يكتفي الآن بتنفس الصعداء وعدم فعل أي شيء، وألا يتخذ قرارات مستوحاة من مدرسة [نفتالي] بينت القاضية بتوسيع البناء الاستيطاني وضم الأراضي [المحتلة]، بل هو ملزم بالسعي للتوصّل إلى مسار يقيم الآن حدوداً بيننا. وفي نظري، من الخطأ إيقاف المحادثات مع محمود عباس بسبب العلاقة [المصالحة] مع حركة حماس. لكن، متى صدر القرار، فالتحدي الحقيقي لرئيس الحكومة الإسرائيلية ليس الإجراءات العقابية الآتية، ولكن العملية السياسية البديلة.