في الذكرى الثالثة لحرب لبنان: محاولات لوضع تقويمات إسرائيلية جديدة لنتائجها
المصدر
هآرتس

من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".

المؤلف

·      إن الانطباع العام، بعد مرور ثلاثة أعوام على اندلاع حرب لبنان الثانية [في صيف سنة 2006]، هو أن هناك تغييراً بعيد المدى في تعامل الجيش الإسرائيلي مع التدريبات العسكرية والجهوزية القتالية ومستوى كفاءة تشكيلات الاحتياط. والجملة التي تتكرر كثيراً على ألسنة أفراد الاحتياط والضباط الذين يدربونهم، خلال الحديث معهم، هي: "سنحارب كما نتدرب". وتجري التدريبات العسكرية في ظل ضغوط شديدة الوطأة، وذلك من أجل جعل الجنود يشعرون بأنهم في خضم معركة حقيقية.

·      لكن على الرغم من الإجماع الإسرائيلي بشأن التغيير الذي حدث على مستوى تدريب الجيش، لا يزال هناك خلافات حادة بشأن حرب لبنان الثانية نفسها. ويبدو أن وزير الدفاع الإسرائيلي، إيهود باراك، هو الناقد الأكثر حدّة للحرب، فقد أكد، هذا الأسبوع، أن "التضحيات التي قدمها الجنود بأرواحهم غطت على أخطاء المسؤولين عنهم". أمّا قائد المنطقة الشمالية، اللواء غادي أيزنكوت، فقال إنه كان هناك "عيوب في الكفاءة والجهوزية وتفعيل القوة العسكرية، لكن أهداف الحرب كانت عادلة، وقد أدت إلى وضع حد لواقع لم يكن محتملاً في الحدود الشمالية".

·      كما أن باراك يؤكد كثيراً عدم نضج الحكومة الإسرائيلية [برئاسة إيهود أولمرت] في ذلك الوقت، كما دلّ على ذلك قرار شن الحرب رداً على اختطاف جنديين إسرائيليين، والعيوب التي اعتورت عملية تخطيط مسارها، وعدم الفهم العميق لتداعيات ضرب الجبهة الإسرائيلية الداخلية (على مدار 34 يوماً متواصلة).

·      ويرى أيزنكوت، من ناحيته، أن الجيش الإسرائيلي نفّذ، في نهاية الأمر، جزءاً من الأهداف التي كُلّف بها من جانب المؤسسة السياسية (باستثناء الأهداف التي أقرتها هذه المؤسسة ولم يتم تبليغ هيئة الأركان العامة بها). ويؤكد، علاوة على هذا، أن النتائج التي كان في الإمكان تحقيقها هي نتائج محدودة أصلاً. ويضيف أنه لم يكن هناك أي أساس يدعم التبجح بإمكان وقف قصف [الجبهة الإسرائيلية الداخلية] بصواريخ الكاتيوشا خلال الحرب، لكن ما حدث في أعقابها هو أننا أصبحنا ننعم بهدوء مطلق [في الحدود الشمالية] منذ ثلاثة أعوام.

·      وعطفاً على أقوال أيزنكوت السالفة، بتنا نسمع، في الآونة الأخيرة، تقويمات إسرائيلية جديدة للحرب ونتائجها، بل إن هناك من يصفها بأنها انتصار استراتيجي كبير. ويؤكد هؤلاء أن إسرائيل لم تخسر الحرب في صيف سنة 2006، وأن النتائج الميدانية كانت أقرب إلى التعادل، غير أنها اعتبرت حرباً فاشلة لأنها لم تتجاوب مع التوقعات المسبقة للإسرائيليين أنفسهم. كما أن ذلك عائد، بدرجة كبيرة، وضمن أشياء أخرى، إلى حقيقة انكشاف خطورة المستوى المتدني لتدريبات الجيش الإسرائيلي.

·      إن هذه التقويمات الجديدة تبدو مهمة لأشخاص مثل [رئيس الحكومة الإسرائيلية السابقة] إيهود أولمرت، الذي يدرس احتمالات العودة إلى الحلبة السياسية في المستقبل، و [رئيس هيئة الأركان العامة السابق] دان حالوتس، الذي ينهمك مؤخراً في حملة تهدف إلى رد اعتباره. وقبل بضعة أسابيع نشر العميد غال هيرش، قائد الكتيبة 91 في أثناء الحرب، والذي اضطر إلى تقديم استقالته في أعقابها، كتاباً يضم روايته لوقائع الحرب، ومن المتوقع أن يصدر قريباً كتاب لحالوتس في هذا الشأن.

·      مهما يكن، فإن هذه التقويمات الجديدة تؤكد أن هناك وجهاً آخر لحرب لبنان الثانية، فحواه أن حزب الله تلقى ضربة قاسية. وهذا راجع، أولاً وقبل أي شيء، إلى توازن القوى بينه وبين إسرائيل. ولا شك في أنه ليس في إمكان منظمة حرب عصابات تضم آلاف المقاتلين، على غرار حزب الله، أن تنتصر على الجيش الإسرائيلي، حتى لو كان في إمكانها أن تقصف الجبهة الإسرائيلية الداخلية بالصواريخ، وأن تمنع تقدّم الجيش الإسرائيلي [في عمق الأراضي اللبنانية]. ويبدو أن الدمار الكبير، الذي ألحقه الجيش الإسرائيلي بلبنان، جعل الأمين العام لحزب الله، حسن نصر الله، يفقد الشهية للمجازفة بمواجهة عسكرية أخرى، وخصوصاً أنه لا يزال يتنقل منذ انتهاء الحرب من مخبأ محصن إلى آخر خوفاً من تعرضه لعملية اغتيال إسرائيلية.

·      إن الأوضاع الاستراتيجية القائمة في منطقة الحدود الشمالية في الوقت الحالي هي على النحو التالي: حزب الله يمتنع كلياً من إطلاق الصواريخ على إسرائيل، كما أنه، في معظم الحالات، يقوم بمنع فصائل صغيرة أخرى من إطلاق النار على المستوطنات الشمالية؛ إن دخول قوات الطوارئ الدولية إلى جنوب لبنان، عقب الحرب، أدى إلى إبعاد مواقع حزب الله من الحدود. لكن في الوقت نفسه، استمر الحزب، ومن دون أي عوائق، في عملية التزود بعشرات ألوف الصواريخ، وأصبح في إمكانه الآن أن يغطي بواسطتها معظم الأراضي الإسرائيلية.

·      أمّا على صعيد النتائج العملية، فقد حدثت بضعة أمور إيجابية، ومنها أن الحدود الشمالية أصبحت هادئة نسبياً، كما أن الردع ما زال يقوم بدوره حتى الآن، إذ إن الحرب كانت بمثابة إنذار للجيش الإسرائيلي فيما يتعلق بمستوى الكفاءة الحقيقية لدى الوحدات المختلفة، الأمر الذي دفعه إلى العمل على تلافي العيوب. مع ذلك فإن الأوضاع في الشمال لا تزال هشّة، ومن شأن اعتبارات إيرانية أو سورية أن تؤدي إلى اشتعال جديد يجرّ حزب الله إلى مواجهة عسكرية أخرى، وذلك على الرغم من وجود تحليلات إسرائيلية تستبعد حدوث ذلك.