· يبدو أن شعرة فصلت أمس بين مجرد حادثة موضعية، وبين اشتعال منطقة جنوب لبنان كلها. فبعد إقدام جنود الجيش اللبناني على إطلاق النار على جنود الجيش الإسرائيلي مباشرة، اتخذ في إسرائيل قرار يقضي بسحب خطة عسكرية من الدرج يفترض في إطارها تدمير أهداف كثيرة تابعة للجيش اللبناني على طول منطقة جنوب لبنان وعرضها، الأمر الذي كان من شأنه أن يجرّ ردة فعل قاسية من طرف الجيش اللبناني وحزب الله على حد سواء، لكن في نهاية الأمر، جرى اتخاذ قرار عقلاني يقضي بالقيام بعملية عسكرية محدودة.
· إن ما تقوم إسرائيل بدراسته، عقب حادثة أمس، يتعلق بسؤالين مركزيين: أولاً، هل كان إطلاق النار على جنود الجيش الإسرائيلي مجرد استفزاز موضعي من طرف قائد كتيبة الجيش اللبناني في ذلك القطاع، أم أن الأمر صدر من قيادة هذا الجيش في بيروت، والقصد منه القيام بعمل استفزازي ضد إسرائيل؟ ثانياً، هل الرد الإسرائيلي المحدود يُعتبر كافياً لتمرير رسالة إلى الجيش اللبناني فحواها أن يكف عن القيام باستفزازات على طول السياج الحدودي؟ ويحذر المسؤولون في إسرائيل من أنه في حال عدم استيعاب الجيش اللبناني هذه الرسالة، وفي حال تبين أن الأوامر المتعلقة بحادثة أمس صدرت عن بيروت، فإن أي حادثة شبيهة في المستقبل ستواجه برد مغاير.
· لا بُد من الإشارة هنا إلى أن الكتيبة التاسعة في الجيش اللبناني تقوم، منذ بضعة أشهر، بعمليات استفزازية ضد الجيش الإسرائيلي على طول القطاع الذي ترابط فيه. ويبدو أن القصد من وراء ذلك هو توتير الجوفي تلك المنطقة. ولم يكن ذلك من قبيل المصادفة، وإنما حدث في إثر تولي ضابط شيعي، مقرّب من حزب الله، قيادة هذه الكتيبة. ومن نافل القول أن وجود قائد كهذا في منطقة مثل جنوب لبنان، قابلة للاشتعال في أي لحظة، هو بمثابة وصفة مضمونة لاندلاع حرب لا يرغب أحد فيها.
· كذلك، فإن الرياح التي تهب من بيروت منذ الانتخابات البرلمانية الأخيرة، والتي حصل حزب الله بمقتضاها على حق النقض [فيتو] داخل الحكومة اللبنانية، هي رياح شريرة، فضلاً عن أن هناك تنسيقاً وثيقاً للغاية بين الجيش اللبناني والجناح العسكري في حزب الله.
وقبل بضعة أشهر، توجهت إسرائيل إلى كل من فرنسا والولايات المتحدة وطلبت إعادة دراسة موضوع تعاونهما مع الجيش اللبناني بسبب علاقاته الوثيقة بحزب الله، محذرة من أن السلاح والخبرات التي تقوم هاتان الدولتان بتقديمهما إلى هذا الجيش سيخدمان في نهاية الأمر، القوى المتطرفة في لبنان. ومع ذلك، فإن المسؤولين الأميركيين والفرنسيين ما زالوا يتعاملون مع الجيش اللبناني باعتباره عامل استقرار في هذا البلد، لكن ربما تفتح حادثة أمس أعينهم على الاتجاهات التي يسير هذا البلد نحوها.