· نظراً إلى كون الرأي العام في إسرائيل مغرماً بلجان التحقيق، فإنني أقترح أن تقام منذ الآن لجنة تحقيق رسمية لتقصي وقائع الحرب المقبلة في الجبهة الشمالية بين إسرائيل وبين محور سورية - حزب الله، شرط ألاّ يكون عمل هذه اللجنة منحصراً في أداء الجيش، وإنما أن يكون جلّ جهدها مخصصاً لدراسة تقصيرات المؤسسة السياسية.
· ويمكن القول إن الوقائع التي ستقوم هذه اللجنة بتقصيها باتت متوفرة منذ الآن. ففي الأسبوع الفائت، شارك رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية وكبار المسؤولين في وحدة الأبحاث التابعة لهذه الشعبة في اجتماع لجنة الخارجية والأمن في الكنيست، حيث أكدوا، مرة أخرى، لأعضاء اللجنة أن سورية ما زالت تقوم بإرسال إشارات تتعلق برغبتها في استئناف العملية السياسية، وأن تجاهل إسرائيل هذه الإشارات بصورة فظّة يسفر عن حشر سورية في الزاوية. في الوقت نفسه، فإن حزب الله، الذي يعتبر ذراعاً لحرب العصابات لدى إيران، مستمر في عملية تسلحه، ويقوم مرة أخرى بنشر قواته في عشرات القرى والبلدات [في جنوب لبنان].
· وعلى ما يبدو، فإن خصوم إسرائيل رصدوا نقطتي ضعف لديها، هما الجبهة الداخلية وتأكل شرعيتها في الحلبة الدولية. بناء على ذلك، فإن هؤلاء الخصوم لن يقوموا بإهدار أي جهود في مجال الحرب البرية، لعلمهم أنه لا يمكنهم تحقيق انتصار فيها، وإنما سيمطرون المراكز السكانية وقواعد الجيش الإسرائيلي بوابل من آلاف الصواريخ الموجودة في حيازتهم. وقد أصبحوا في الوقت الحالي يملكون صواريخ ذات مدى أطول من مدى الصواريخ التي كانت في حيازتهم خلال الحروب السابقة كلها، فضلاً عن كونها قادرة على حمل كميات أكبر من المواد الناسفة.
· ولا شك أيضاً في أن الجولة القتالية المقبلة ستكون قصيرة، لكن أكثر دموية. ولدى انتهائها، وفي إثر تسببها بسقوط آلاف القتلى الإسرائيليين في الجبهتين الداخلية والعسكرية، فإن الجانبين سيجلسان إلى مائدة المفاوضات، وسيتركز الجدل على القضايا المدرجة في جدول الأعمال الآن.
· إن الحديث يدور على ظاهرة استثنائية تكاد تكون غير مسبوقة في تاريخ إسرائيل كله، وفحواها قيام المؤسسة العسكرية بحثّ أصحاب القرار في المؤسسة السياسية على التحرك في اتجاه حل وسط سياسي.
· ومع ذلك، لا بُد من القول إن جنرالات المؤسسة العسكرية لا يحذّرون من خطر جديد آخر يلوح في الأفق، وهو احتمال أن لا تتمكن إسرائيل، ولأول مرة من إحراز نصر عسكري ساحق لدى بدء وقف إطلاق النار، وذلك في ضوء أن كلاً من الأمم المتحدة والولايات المتحدة والأسرة الأوروبية سيتيح لإسرائيل حداً أدنى من أيام القتال، وسيضطرها إلى وقف القتال قبل تحقيق حسم واضح.
· ويدعي عضو الكنيست يوحنان بلِسنَر [من حزب كاديمـا]، وهو عضو في لجنة الخارجية والأمن، أن هذا الأمر هو انعكاس لإحدى الدلالات الاستراتيجية المهمة غير المعروفة على نطاق واسع، والمترتبة على تأكل شرعية إسرائيل الدولية في العالم.
في المحصلة الأخيرة، فإن الحرب المقبلة ستكون في حال اندلاعها حرباً اختيارية ستسفر عن ثمن رهيب ومن دون تحقيق انتصار حقيقي. وعلى كبار المسؤولين في الحكومة الإسرائيلية إدراك أن المسؤولية الكاملة عن ذلك ستقع على عاتقهم. وإذا كان هؤلاء المسؤولون لا يفهمون ذلك، فقد يكون في إمكان لجنة التحقيق إفهامهم إياه.