"القبة الحديدية" لن توفر حلولاً للتهديدات الصاروخية كلها
المصدر
هآرتس

من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".

·       ثمة خشية من أن تكون المؤسسة الأمنية الإسرائيلية تزرع لدى الجمهور العريض أوهاماً تتعلق بقدرات منظومة "القبة الحديدية" [المضادة للصواريخ]، وذلك في ضوء قيام هذه المؤسسة، عقب نجاح التجارب الأخيرة على المنظومة المذكورة، ببثّ رسائل توحي بأن مشكلة الصواريخ التي تهدد سكان الدولة، والكابوس الذي يقض مضاجع سكان المستوطنات المحاذية لغزة وسكان المستوطنات الشمالية، لن يتكررا مرة أخرى.

·       مثلاً، أعلن يوسي دروكر، رئيس دائرة منظومات جوّ ـ جوّ في "رفائيل" [سلطة تطوير الوسائل القتالية] ورئيس برنامج تطوير منظومة "القبة الحديدية"، في مقابلة أدلى بها يوم أمس إلى الشبكة الثانية للإذاعة الإسرائيلية العامة، أن "القبة الحديدية" توفر حلاً لـ "التهديدات الصاروخية كلها التي تعرضت لها إسرائيل في السابق من طرف لبنان وغزة". وسارع رئيس بلدية سديروت، دافيد بوسكيلا، إلى القول إن "نجاح التجارب الأخيرة هو بشرى جيدة ومفرحة لسكان سديروت والمستوطنات المحاذية لغزة، الذين كانوا ينتظرون هذه اللحظة منذ ثمانية أعوام... وستسفر المنظومة عن تعزيز شعور الأمان لدى سكان المنطقة".

·       في واقع الأمر، فإن وعود دروكر بعيدة جداً عن الحقيقة، فضلاً عن أن هذه الحقيقة من شأنها أن تخيب آمال بوسكيلا. إن "القبة الحديدية" لا توفر حلولاً لـ "التهديدات كلها"، ولا يمكنها أن تحمي بوسكيلا وسكان سديروت خاصة، ذلك بأنها ما زالت تواجه صعوبة كبيرة في إسقاط صواريخ القسّام بسبب المدة القصيرة التي تستغرقها هذه الصواريخ منذ لحظة إطلاقها حتى لحظة سقوطها، ولا سيما في حال إطلاقها من بيت حانون على سديروت. 

·       ثمة حقيقة معروفة لا ينفيها المسؤولون في "رفائيل"، وفحواها أن "القبة الحديدية" يمكنها إسقاط صواريخ تُطلق من مسافة تبعد 4,5 كيلومترات عن الهدف (في حين أن المسافة بين مشارف بيت حانون وبين سديروت هي 4 كيلومترات فقط). وللعلم، فقد قمت بنفسي بتوجيه طلبات إلى المؤسسة الأمنية بغية الحصول على معلومات تتعلق بمدى الصواريخ التي جرى استعمال منظومة "القبة الحديدية" ضدها خلال التجارب الأخيرة، إلا إنني لم أتلق أي رد.

·       وهناك سبب آخر يضع علامة استفهام كبرى على إمكان اعتبار "القبة الحديدية" حلاً لإسقاط صواريخ كل من "حماس" وحزب الله، ويتعلق بتكلفتها الباهظة. وقد اعترف دروكر، في لقاء آخر أدلى به أمس إلى موقع CBN News الإلكتروني، بأن تكلفة الصاروخ الواحد في منظومة "القبة الحديدية" ربما تبلغ 100 ألف دولار. ونظراً إلى أن تكلفة صاروخ القسام هي بضعة دولارات، فإن من الواضح أن إسرائيل ستُمنى بهزيمة من ناحية اقتصادية إذا أقدمت "حماس" على تكديس آلاف الصواريخ لديها. أمّا المشكلة في الجبهة الشمالية فإنها أكثر حدّة، ذلك بأن حزب الله لديه الآن أكثر من 50 ألف صاروخ. بناء على ذلك يمكن أن ينشأ وضع ينفد فيه مخزون صواريخ "القبة الحديدية" في حين يكون في إمكان الجانب الثاني أن يستمر في إطلاق آلاف الصواريخ على إسرائيل.

·       كذلك، فإن ادعاء المؤسسة الأمنية أن "القبة الحديدية" ستقوم باعتراض الصواريخ الموجهة ضد المناطق الآهلة فقط، وبذا، يمكن توفير عدد الصواريخ التي يتم استعمالها، هو ادعاء إشكالي، ذلك بأن تقدير مسار الصواريخ، والجزم بما إذا كانت ستسقط في مناطق آهلة يستلزمان وقتاً؛ وحتى لو كان هذا الوقت قصيراً نسبياً فإن الحد الأدنى للصواريخ التي يمكن إسقاطها سيبقى ضئيلاً. وثمة مشكلة أخرى هي تحسن دقة هذه الصواريخ، فعوزي روبين، الذي ترأس دائرة "حوماه" [برنامج منظومة "حيتس" المضادة للصواريخ] في وزارة الدفاع الإسرائيلية، يؤكد أن الإيرانيين نجحوا في جعل الصواريخ أكثر دقة بواسطة وسائل بسيطة وزهيدة. وفي حال قيامهم بنقل هذه الوسائل إلى كل من "حماس" وحزب الله، فإن موضوع اعتراض الصواريخ بصورة انتقائية سيسقط برمته عن جدول الأعمال، لأن مسار الصواريخ كلها سيقودها إلى المناطق الآهلة.

على الرغم من أن مشاعر الفرح بتحقيق مثل هذا الإنجاز التكنولوجي هي مشاعر مبررة، إلا إن ما يجب التذكير به هو أن "القبة الحديدية" لا توفر حلولاً لـ"التهديدات [الصاروخية] كلها". إن الذين يحاولون عرضها على هذا النحو يجانبون الحقيقة، ويوهمون الذين يعولون عليهم.