من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".
· هل كانت إسرائيل توشك فعلاً على خوض حرب مدمرة ضد إيران لكنها أُنقذتْ بفضل حكمة وجرأة المسؤولين الكبار في الجيش الإسرائيلي وفي أجهزة الاستخبارات الذين لجموا المغامرة غير المسؤولة والمتهورة التي كان يزمع القيام بها رئيس الحكومة ووزير الدفاع؟
· هذا هو المضمون الذي يمكن استخلاصه من الكلام العلني لرئيس الموساد السابق مئير داغان، ورئيس الأركان السابق للجيش الإسرائيلي غابي أشكينازي. إذ يقول الاثنان أنهما تعاونا مع مدير الأمن العام السابق (الشاباك) عاموس يادلين، ورئيس الدولة شمعون بيريس، لمنع إقدام إيهود باراك وبنيامين نتنياهو على إرسال سلاح الجو لقصف المنشآت النووية في إيران، الأمر الذي كان سيشعل حرباً إقليمية وسيتسبب بسقوط آلاف الصواريخ في تل أبيب، وسيشل الاقتصاد، ويؤدي إلى توتر العلاقات مع الولايات المتحدة.
· إن هذه الرواية تدفعنا إلى الاعتقاد أن أشكينازي وزملاءه يستحقون جائزة إسرائيل وحتى جائزة نوبل للسلام لما فعلوه. لكن هناك رواية أخرى مقنعة تقول إن القيادة العسكرية لم تتمكن من تنفيذ تعليمات القيادة السياسية، وتحاول الآن أن تصور فشلها "بأنه تعبيرعن شعورها بالمسؤولية الوطنية".
· عندما تسلم نتنياهو السلطة في ربيع سنة 2009، وضع في رأس أولوياته القضاء على المشروع النووي الإيراني. وكان أريئيل شارون وإيهود أولمرت حاولا مواجهة الخطر الإيراني عبر الجمع بين العمل الدبلوماسي والعمليات السرية، لكنهما لم يكونا مستعدين بما فيه الكفاية للقيام بعملية عسكرية، وذلك على الرغم من أن إيران في تلك الفترة لم يكن لديها ما تملكه اليوم من أسلحة لمهاجمة إسرائيل، وكان يوجد في البيت الأبيض أهم صديق لإسرائيل [جورج بوش] الذي سيؤيد أي هجوم إسرائيلي.
· لكن، لا المساعي السياسية، ولا العراقيل التقنية، أو العقوبات الدولية، أوقفت المشروع النووي الإيراني، فقرر نتنياهو دعم هذه الجهود بطرح الخيار العسكري، وأوضح أكثر من مرة أن الخيار العسكري وحده يستطيع أن يعطي القوة للعقوبات الدولية وللخطوات الأخرى. وفي رأيه أن عدم اللجوء إلى استخدام القوة يتطلب اقتناع العدو بأن الخيارات كلها مطروحة على الطاولة.
· لقد سعى نتنياهو، وباراك الذي كان يشاطره الرأي، لتحقيق ثلاثة أهداف، فقد أملا بأن يشجع تلويح إسرائيل باللجوء إلى القوة الولايات المتحدة على التحرك ضد إيران، وأرادا تعزيز التفاهمات الاستراتيجية مع واشنطن، وضمان دفاع الرئيس أوباما عن الردع الإسرائيلي، وسعيا للإعداد لعملية عسكرية إسرائيلية مستقلة في حال تخلى عنهما المجتمع الدولي. وقد حظيت هذه السياسة بتأييد المجلس الوزراي المصغر، وجرى تأمين الميزانية اللازمة لها، لكنها لم تترجم إلى أفعال.
· لم يتحمس داغان وشركاؤه للخطة، وانزعجوا من الطريقة السطحية التي تعامل فيها نتنياهو مع الموضوع، كذلك تضايقوا من حديثه عن "محرقة ثانية" [تذكيراً بمحرقة اليهود خلال الحرب العالمية الثانية]، ومن الموقف الملتبس لباراك، وتخوفوا طبعاً من حرب فاشلة يتحمل مسؤوليتها القادة العسكريون لا السياسيون. ولهذا السبب شنوا حملة مضادة ليس ضد إيران وإنما ضد المسؤولين عنهم، فزعموا أن بناء القدرة العسكرية لمواجهة إيران سيلحق الضرر بتنفيذ مهمات أخرى لا تقل أهمية، واستخدموا الحجة القائلة إن مهاجمة المنشآت النووية الإيرانية ستشعل حرباً إقليمية من الصعب على الجيش الإسرائيلي أن يحسمها لمصلحته، وإن من يرغب في قصف إيران، فإن عليه أن يستعد لليوم التالي للقصف. لقد رفض نتنياهو وباراك مناقشة الموضوع، إذ إن كل ما أراداه هو الإعداد لخيار الحرب لا خوضها.
· واعتبرت القيادة السياسية أن أشكينازي فشل في مهمته، فهي طلبت منه التحضير لخيار عسكري، وبدلاً من القيام بذلك قدم الذرائع لعدم تنفيذ المهمة؛ فإذا كان أشكينازي غير قادر على تحقيق النصر في الحرب التي ستقع غداة قصف المنشآت النووية في إيران، فإن هذا سيفرض قيوداً على الخيار الإسرائيلي العسكري، وبهذه الطريقة جرى إفشال سياسة نتنياهو.
· يوضح ما سبق ذكره حقيقة صراع القوى الذي كان دائراً على مستوى القيادة العسكرية، والسبب الذي أدى إلى إحالة أشكينازي وداغان على التقاعد (على الرغم من تشبثهما بمنصبيهما)، وكذلك ديسكين الذي كان يرغب في أن يصبح رئيساً للموساد.
· تجد إسرائيل نفسها اليوم من دون خطة عسكرية، فأميركا المنهزمة يتراجع نفوذها في المنطقة، في حين تواصل إيران تخصيب اليورانيوم ويستمر اقتصادها في النمو على الرغم من العقوبات المفروضة عليه.