· عندما يكون وزير الدفاع يرغب بشدة في خوض الحرب، وعندما يكون رئيس الحكومة لا يفهم كثيراً في الأمن، ومعجب بالجنرالات، من الصعب الحؤول دون وقوع الحرب.
· لقد اعتقد أريئيل شارون، ملك العمليات الانتقامية في الخمسينيات والذي أتى لإنقاذ شعبه عندما قبل بتولي قيادة المنطقة الجنوبية في حرب يوم الغفران [حرب تشرين 1973]، أن في مقدوره القضاء على منظمة التحرير الفلسطينية في لبنان وحل المشكلة الفلسطينية مرة واحدة وإلى الأبد، وجعل هذا الأمر، عندما عينه بيغن وزيراً للدفاع، هدفاً له.
· لقد جاءت منظمة التحرير إلى لبنان بعد طردها من الأردن سنة 1970. وكان لبنان آنذاك، ولا سيما جنوبه، بلداً منقسماً تتحكم به ميليشيات مختلفة، مسيحية، ومسلمة، وسنية، وشيعية، ولبنانية، وسورية. وكانت منظمة التحرير خبيرة في التغلغل داخل الدول التي تعاني ضعفاً في سلطتها المركزية، وبدأت بالتخطيط من لبنان للعمليات الإرهابية ضد إسرائيل ولإطلاق الصواريخ على شمالها، وكانت كريات شمونة هي الهدف الأساسي، وهذا ما جعل الحرب أمراً محتوماً. وفي تموز/يوليو 1981 وصل إلى المنطقة الدبلوماسي الأميركي من أصل لبناني فيليب حبيب وتوصل بعد محادثات أجراها مع مناحم بيغن وياسر عرفات إلى اتفاق لوقف إطلاق النار.
· وقد جرى احترام هذا الاتفاق بصورة جيدة، وطوال 11 شهراً ساد الهدوء التام في الجليل. في هذه الأثناء كان شارون يعد خطة "أورانيم الكبرى" من أجل إحداث تغيير استراتيجي في المنطقة، وخطة "أوارنيم الصغرى" من أجل احتلال منطقة "فتح لاند"، أي مساحة الأربعين كيلومتراً التي استخدمتها "فتح" قاعدة لها، ومنها كانت تنطلق في عملياتها ضد إسرائيل، إلاّ إن الهدوء التام الذي ساد آنذاك منعه من تنفيذ خطته.
· وكنتُ في تلك الفترة ناطقاً باسم حزب العمل، وكان بين أعضاء المكتب السياسي للحزب أشخاص مثل شمعون بيرس وإسحاق رابين وآبا إيبان ومردخاي غور وحاييم بارليف ويسرائيل غليلي وغيرهم. وكان رأي جميع هؤلاء أن الحرب على لبنان خطأ فادح، وأن على حزب العمل الوقوف ضدها. كما دار جدل داخلي بشأن التعبير علناً عن هذا الموقف، وانقسمت الآراء بين من رفض أن يحول الحزب النقاش إلى نقاش علني، وبين من رأى أن إخراج النقاش إلى العلن سيمنع وقوع حرب غير مرغوب فيها.
· وأكثر من مرة، بعد الانتهاء من هذه النقاشات الداخلية، خرجت بيانات إلى الصحف لمّحت إلى عدم ارتياح المعارضة إزاء محاولات شارون البحث عن ذريعة للحرب، ما دام أنه لا يتم خرق وقف إطلاق النار.
· وكانت هناك حاجة إلى كثير من الخيال ومن تحوير الحقائق لتحويل محاولة اغتيال السفير الإسرائيلي في بريطانيا شلومو أرغوف من قبل رجال أبو نضال- العدو الأكبر لعرفات- إلى ذريعة للحرب التي سيشنها شارون ضد منظمة التحرير الفلسطينية.
· وعلى الرغم من معارضة العديد من رؤساء المؤسسة العسكرية لهذه الحرب، فإن شارون نجح في إقناع بيغن بعدم القبول بالوضع القائم، ووافقت الحكومة على عملية محدودة لا تستغرق أكثر من 48 ساعة، ولا تتجاوز 40 كيلومتراً من الحدود مع لبنان، يجري خلالها "تطهير" المنطقة من مخربي منظمة التحرير. ووجد حزب العمل نفسه يدعم ما كان يعارضه معارضة شديدة، وكان يوسي سريد الوحيد الذي لم ينضم إلى القطيع.
لقد أثبتت الحرب، التي لم يكن لها لزوم في لبنان، أن التخطيط الناجح لا يستطيع أن يحول الناس إلى حجارة شطرنج، وأن أفكاراً مثل تغيير الحكم في دولة مجاورة هي أفكار متبجحة لا أساس لها، وهي التي قادتنا إلى البقاء في "الحزام الأمني" طوال 16 عاماً ونحن نحاول إقناع أنفسنا وجنودنا الشباب بأن التضحية بحياتهم هي التي تسمح بالحياة الهانئة في الجليل. ولم يكن هناك كذبة أكبر من هذه الكذبة، فالتهدئة الحقيقية لم تتحقق في الشمال إلاّ بعد انسحابنا من لبنان في أيار/مايو 2000.