لا يمكن فرض حل بالقوة
تاريخ المقال
المصدر
- نُقل في الأمس عبر أثير إذاعة الجيش الإسرائيلي أن الأميركيين "يهددون" بأنه إذا لم يحدث "اختراق" في المفاوضات الدائرة بيننا وبين الفلسطينيين، فسيطرحون في كانون الثاني/يناير المقبل خطتهم لحل النزاع، وتشمل القضايا الجوهرية. وهذه الأخبار ليست جديدة، فقد سبق نشرها في مقالة ليوسي بيلين على صفحة آراء ومقالات في "يسرائيل هيوم" قبل نحو شهر.
- خلال خمسة أعوام من انعدام القيادة لدى باراك أوباما، تفكّكت منطقة الشرق الأوسط إلى أجزاء بحيث حمل كل قسم من سورية بالإضافة إلى ليبيا واليمن ومصر والعراق وتونس ولبنان وسواه، علامةَ "صُنع في الولايات المتحدة" Made in USA. فقد أخلت إدارة أوباما ساحة الشرق الأوسط للهلال الشيعي- الإيراني- حزب الله، وأدخلت بوتين كلاعب رئيسي وكأننا عدنا إلى زمن الاتحاد السوفياتي، وأبعدت أصدقاء الولايات المتحدة: مصر والسعودية والأردن وآخرين، الذين فقدوا ثقتهم بالأميركيين.
- أما المكان الوحيد الذي تبذل فيه الإدارة الأميركية نشاطاً محموماً بهوس جنوني فهو عندنا. أليس هذا الأمر غريباً؟ ألا يستدعي هذا إشعال ضوء أحمر؟ فخلال عقود من غسل الأدمغة عبر الإعلام، اعتدنا على فكرة أن الأميركيين بمستطاعهم أن يفعلوا ما يشاؤون، على الرغم من أنهم لا يفهمون هذه المنطقة وأنهم فشلوا المرة تلو الأخرى بفرض حلول لا تكترث لتقاليد المنطقة العريقة، وها هم يحاولون مجدداً تربيع الدائرة، وحشرنا في الزاوية حتى نقول برغم أنفنا "نحن نقبل".
- لا داعي للاحتفاء بما قاله أخيراً [وزير الدفاع الأميركي] تشاك هيغل في المقابلة التي منحها إلى "صديق إسرائيل" المعروف جيفري غولدبرغ. فبعد كل مجموعة من الصفعات، تلطّف الإدارة الجوّ قليلاً. وقبل ثلاثة أسابيع، قال جون كيري إن الولايات المتحدة لن تخضع لتكتيكات التهديد والوعيد قبل استئناف المفاوضات مع إيران؛ وقد علم الجميع من هو المقصود بهذا الكلام. فيوم الخميس الماضي وشى مسؤول كبير في البيت الأبيض بخبر الضربة التي شنتها إسرائيل ضد سورية. وقيل إن هذا "تسريب". وفي الحقيقه هذه تسريبات ممنهجة ضدنا. لكن في حال أرادت إسرائيل الهجوم، هل يمكن الركون إلى أن هذه الجهات غير المعروفة لن تسرّب الخبر؟ أم أن هناك إيماءة من قبل الائتلاف العالمي بمساعدة جهات رفيعة المستوى عندنا، لتكبيل يد حكومة إسرائيل ومنعها من ممارسة حق الدفاع عن النفس؟
- أمعنوا التفكير في الأمر مجدداً: من بين جميع مشكلات العالم ركزت الولايات المتحدة على نزاعنا فقط! وبعد عشرين عاماً من المحاولات، أليس من الجنون الضغط علينا كي نسلّم مساحات من الأرض في قلب البلاد مع إمكانية تحولها إلى قاعدة إيرانية؟ يبدو أن السردية الفلسطينية تُستخدم من قبل الأميركيين عصا لإبقاء إسرائيل مهددة بالمقاطعة والإبعاد والضغوط المتواصلة من قبل المجتمع الدولي.
- وماذا يخبرنا هذا الأمر عن جزء ملحوظ من يهود الولايات المتحدة الذين تحولوا منذ بداية عهد أوباما إلى ما يشبه النعامات [التي تقسو على أولادها كأنها ليست لها (سفر أيوب 39: 16)]؟ وباستثناء قلة منهم، يخشى يهود الولايات المتحدة التنديد علانيةً بموقف إدارة أوباما المعادي لإسرائيل. فالأصوات التي تسمع هي أصوات مناهضة لإسرائيل، والذي يسعد برفقتها، ويا للعار، كلٌّ من [الكاتب الأميركي] بيتر بينارت، و[المحرر في جريدة نيويوركر] ديفيد ريمنك، و[الصحافي] توماس فريدمان، وسائر اليهود الذين "يشمئزون" من إسرائيل في حين أنهم لا يقلقون إذا حُشرت في الزاوية بفعل خطر وجودي.
- إن يهود الولايات المتحدة يخونون مهمتهم، فبدلاً من أن يكونوا بمثابة منفى بابل في أيامنا الحالية، وبدلاً من دعم المكان الوحيد الذي يستقبل اليهود من دون أي شرط، هم على شاكلة يهود ألمانيا في أواخر القرن التاسع عشر، لكن مع فارق مهم هو أن اليهود المنتشرين في الولايات المتحدة لا يكتفون باندماج هادئ، بل هم يلوّحون بيهوديتهم لكي يضربوا الدولة اليهودية وإخوانهم الذين لا يزالون يدعمونها. أولاً وبوصفهم يهوداً، هم يمتلكون حقّ التحريض ضدنا؛ وثانياً، تجري دعوتهم إلى البيت الأبيض حيث يتلقون جرعات تهدئة على أساس أن "كل شيء على ما يرام"، وأن الإدارة الأميركية ساهرة على مصلحة إسرائيل (مثلما سهرت على مصلحة مصر!). وفي نهاية الأمر، نحن، وليس هم، من سيتعامل مع الدمار الذي ستخلفه سياسة أوباما.
- آن الأوان لكي يثور يهود الولايات المتحدة ضد هذه السياسة المستحيلة. إن محاولة فرض حل علينا هو جزء من الغطرسة الغربية المعروفة التي يعاني منها أيضاً اليسار الإسرائيلي، ولسان حالها يقول: نحن نستطيع أن نجعل التاريخ يجري وفق رغبتنا، وأن نصل إلى مهد الحضارة الإنسانية، إلى المنطقة التي تتنفس تقاليد عريقة وتجري في عروقها أساطير عمرها ألفي عام، وأن نلبسها حلاً بالقوة.
- أنظروا إلى الدول المحيطة بنا، فالجميع يشاهد مباشرةً ساعة بساعة ثمار هذه العبقرية.