· عملت إسرائيل لأعوام طويلة على تعظيم قوة حركة حماس بين أبناء الشعب الفلسطيني، وعلى تشجيعها في الساعات الحرجة، وعلى جعلها عضواً في النظام الفلسطيني. وكان الهدف من ذلك بطبيعة الحال بلوغ لحظة يمكن فيها إطلاق تنهيدة عميقة والقول بفم مبتسم: "الآن ليس هناك من نتحادث معه فعلاً".
· هذا هو الهدف الذي وقف وراء سحق أية قيادة فلسطينية ليست حمساوية. وهذا هو ما هدف إليه جميع الحكماء الذين دبروا موت عرفات. وهذا كان هدف التحطيم المنهجي لقوات السلطة الفلسطينية. وهذا هو المنطق من وراء التقليل المعاند والمثابر والمهين لأهمية أبو مازن. وفعلاً تطورت حماس بشكل جيد. وتعاظمت قوتها وأصبحت منظمة محبوبة لدى شعبها وفازت في الانتخابات. وكلما تعاظمت قوة حماس وتآكلت قوة السلطة الفلسطينية تصاعدت الأصوات الإسرائيلية التي تطالب السلطة الفلسطينية بأن "تحارب حماس"، وبأن "تلجم حماس" و"تنزع سلاح حماس"، ومطالب أخرى لم تفلح إسرائيل في أن تنفذها طوال 40 عاماً من طغيانها.
· أخيراً بدأ الإسرائيليون يقولون إن "الفلسطينيين بحاجة إلى ألتالينا خاصة بهم". ومعنى ذلك أن المؤسسات الوطنية الفلسطينية يجب أن تفعل بالانفصاليين ما فعله دافيد بن - غوريون بالانفصاليين اليهود في سنة 1948. فقد أمر بن - غوريون في ذلك الوقت بإغراق سفينة "ألتالينا" التي كانت تشحن الأسلحة لمنظمة الإيتسل. وبذا لقنهم درساً موجعاً في وجوب الطاعة والوحدة.
· يتضح فجأة أن المثقفين الإسرائيليين جميعاً الذين تمنوا حدوث "ألتالينا" فلسطينية قصدوا عملياً نصف "ألتالينا"، أي فقط الحرب الأهلية، لكن ليس المصالحة التي جرت في أعقابها: فقط سفك الدماء والكراهية وتبادل إطلاق النار، لكن لا الحل الوسط ولا الوحدة ولا التكتـل حـول سـلطة واحـدة. وإذا كـف أبو مازن عـن الحرب الأهلية أو جنح إلى المصالحة والحوار عندها نبلغه أنه انحرف عن حـدود الـ "ألتالينا" المسموح بها، ونعلن أنه غير صالح للمفاوضات، ونعود فنتمنى لحظة سعيدة تتاح لنا فيها "ألتالينا" أخرى.