·       اليوم، بعد مرور 44 عاماً على احتلال القدس، لم تعد هذه المدينة تثير لدينا المشاعر التي شعرنا بها عندما سيطرنا عليها للمرة الأولى، ولم يعد خطر تقسيم القدس يقض مضاجعنا كما كان في الماضي، وأصبح الإسرائيليون غير مبالين بمصير القدس، وابتعدوا عنها.

·       لقد تحولت القدس في نظر الكثيرين إلى عبء لا طاقة لنا على حمله، ويعيق تقدمنا إلى الأمام. كما يجري أحياناً تصوير القدس بوصفها مدينة غير ذات أهمية، أو مدينة الأقليات والمتدينيين اليهود من الحرديم ومدينة العرب، وتشكل مشكلة تهدد السلام والمنطقة بأسرها.

·       إن الداعين إلى تقسيم القدس باتوا ينظرون إليها بوصفها عائقاً في وجه السلام ومشكلة غير قابلة للحل، ومعضلة مستحيلة لا تحتمل. وأدت معارضتهم لتوحيد المدينة إلى حنين رومنطيقي إلى القدس القديمة المقسمة الصغيرة والضعيفة.

·       لكن من جهة أخرى فإن أنصار القدس الموحدة أخطأوا في حق هذه المدينة. لقد تعهدنا بأن تبقى القدس موحدة لكننا لم نفعل شيئاً من أجل تحقيق ذلك. لقد بنينا مدينة داوود، وأقمنا حي معاليه زيتيم، لكن ماذا فعلنا من أجل حي راس العمود أو وادي الجوز؟ وماذا قدمنا لخمسة آلاف طفل يعيشون في القدس الشرقية ولا يجدون مؤسسات تعليمية تستطيع استيعابهم؟ وماذا فعلنا من أجل تحسين خدمات البريد هناك التي هي تقريباً معطلة، ومن أجل الشوارع التي لا تجمع حتى النفايات منها؟

·       إذا لم نبادر إلى العمل السريع، فإن القدس ستصبح مدينتين على أرض الواقع. ولا يمكننا ان نستثمر أموالاً في قرية المالحة[ قرية فلسطينة مهّجرة تقع جنوب غرب القدس] وأن نهمل أبو طور وبيت حانينا وشعفاط؟ وما قيمة الكلام على السيادة إذا كنا لا نمارسها على الأرض؟ وهل بهذه الطريقة نضمن عدم تقسيم القدس مرة أخرى؟

·       لا أظن أننا نستطيع حل مشكلات القدس من خلال تقسيمها، لكن من جهة أخرى لا نستطيع مواجهة تحديات القدس الموحدة متجاهلين السكان الآخرين الذين يقيمون فيها. كما لا يمكننا تحقيق رؤية القدس إذا لم نبنيها كمدينة واحدة بكل أجزائها وضمن إطار عمراني واحد. ولن نتمكن من مواجهة المخاطر المحدقة بها إذا لم نستثمر في شرق المدينة مثلما نستثمر في غربها.