حزب الله بعد مرور خمسة أعوام على حرب لبنان الثانية: نقاط القوة والضعف
تاريخ المقال
المصدر
مركز موشيه دايان للأبحاث شرق الأوسطية والأفريقية
–
"تسومت هامزراح هاتيخون"، المجلد الأول، العدد الثامن
تأسس في سنة 1959 بالتعاون مع جامعة تل أبيب. وهو مركز متعدد المجالات، ينشر دراسات تتعلق بالنزاع الإسرائيلي- الفلسطيني، كما يُعنى بالموضوعات السياسية والاجتماعية والاقتصادية في الدول العربية والدول الأفريقية. ولدى المركز أهم مكتبة للمصادر العربية من كتب ومجلات وصحف. وتصدر عن المركز سلسلة كتب مهمة في مختلف المجالات، ولديه برامج تدريب ومنح أكاديمية.
- كان لحرب لبنان الثانية، مثل الحروب الأخرى، انعكاسات معقدة على كل الأطراف المشاركة فيها. أمّا فيما يتعلق بنتائح الحرب على حزب الله، فنلاحظ أنه منذ صيف 2006 برز مساران متناقضان: من جهة ازدادت قوة الحزب العسكرية خلال الأعوام الخمسة الأخيرة، ومن جهة أخرى تراجعت مكانته في الساحتين اللبنانية والإقليمية.
- على الصعيد العسكري تبدو الأمور واضحة، فقد نجح حزب الله منذ نهاية الحرب، بمساعدة سورية وإيران، في إعادة بناء ترسانته العسكرية، وتعزيز قدرته الصاروخية، وأصبح يملك اليوم صواريخ أكثر عدداً ودقة وتستطيع أن تصل إلى معظم المناطق في إسرائيل، وهي تسمح للحزب بقصف دقيق للبنية التحتية الأساسية الإسرائيلية.
- إن أحد الإنجازات التي حققتها إسرائيل في هذه الحرب هو التضييق على وجود حزب الله في الجنوب اللبناني بعد انتشار قوات اليونيفيل والجيش اللبناني هناك، إلاّ إن مقاتلي الحزب عادوا إلى مواقعهم جنوبي نهر الليطاني فأقاموا مراكز قيادة وخزنوا كميات كبيرة من السلاح. ويمكن أن نضيف إلى ذلك كله التعاون العسكري الوثيق بين حزب الله وسورية في أعقاب الحرب. فإذا كان السوريون اكتفوا قبل الحرب بكونهم قناة عبور للسلاح الإيراني إلى الحزب، فقد تحوّلوا بعد الحرب إلى المزود الأساسي للحزب بالسلاح، وبالمساعدة اللوجستية والصواريخ، ووضعوا بتصرف الحزب عدداً من معسكرات التدريب. أمّا فيما يتعلق بالقرار 1701 الذي اتُخذ في نهاية الحرب، والذي دعا إلى تجريد حزب الله من سلاحه، فقد أُفرغ من مضمونه، إذ أن الحزب ليس فقط لم يجرد من سلاحه، بل إنه عزز أيضاً قوته العسكرية، الأمر الذي أدى إلى زيادة خطره على إسرائيل.
- أمّا على الصعيد السياسي في لبنان والساحة الإقليمية، فإن الأمور تبدو أكثر تعقيداً. ظاهرياً، يمكن القول إن مكانة حزب الله في لبنان تعززت بعد الحرب، إذ إنه على الرغم من استقالة وزراء الحزب من حكومة فؤاد السنيورة سنة 2006، فقد استطاع أن يفرض شروطه على اتفاق الدوحة سنة 2008، وحصل على الثلث الضامن في الحكومة الجديدة. كذلك نجح في كانون الثاني/ يناير 2011 في إسقاط حكومة سعد الحريري، وتأليف حكومة تخضع لوصايته برئاسة الملياردير الموالي لسورية نجيب ميقاتي.
- على الرغم من هذه الإنجازات، يبدو أن مكانة حزب الله في لبنان بالذات تراجعت إلى حد ما، فقد عجز الحزب عشية حرب 2006 عن منع تشكيل المحكمة الدولية، وتعرض خلال الحرب وبعدها إلى انتقادات حادة من جانب أطراف سياسية مختلفة ومن جانب جزء كبير من اللبنانيين غير الشيعة. وإذا كان يُنظر إلى حزب الله عامة ونصر الله خاصة بصفتهما بطلين، فإن النظرة إليهما تغيرت بعد الحرب، وبدأ كثيرون يرون أنهما يخدمان أهدافاً إيرانية وسورية. وخلال الأحداث التي نشبت في لبنان في أعقاب قرار حكومة السنيورة تفكيك شبكة الاتصالات الخاصة بالحزب، سيطر الحزب بالقوة على عدد من الأماكن الأساسية في العاصمة وفي مناطق أخرى، الأمر الذي أدى إلى وقوع عدد من القتلى، وكانت هذه أول مرة يتوجه فيها "سلاح المقاومة" إلى المواطنين اللبنانيين وإلى المؤسسات الحكومية المدنية. صحيح أن حزب الله استطاع في اتفاق الدوحة الذي جاء نتيجة هذه الأحداث تحقيق إنجازات مهمة، لكن نصر الله دفع ثمن ما حدث في انتخابات سنة 2009 عندما فشل معسكر 8 آذار الذي يتزعمه في الحصول على الأغلبية داخل مجلس النواب اللبناني.
- على المدى البعيد سيتضح أن إنجاز إسقاط حكومة سعد الحريري في كانون الثاني/ يناير 2011 محدود الأهمية. فقد جاءت هذه الخطوة نتيجة فشل نصر الله في إقناع سعد الحريري بالتخلي عن المحكمة الدولية، وبدت هذه الخطوة حينئذ مناورة ذكية من جانب نصر الله. لكن يمكننا القول إن مفتاح إسقاط حكومة الحريري لم يكن في يد نصر الله، وإنما جاء سقوطه نتيجة التغير الذي طرأ على ميزان القوى الإقليمي - الدولي في أعقاب تغير الإدارة في الولايات المتحدة، إذ أدى صعود باراك أوباما إلى الحكم إلى تغير سياسة الولايات المتحدة تجاه المنطقة وتراجعها عن مواقفها الحادة إزاء سورية وتدخلها في لبنان. ونتيجة ذلك عادت سورية في العامين الأخيرين لتؤدي دوراً واضحاً وفعالاً في السياسة الداخلية اللبنانية، الأمر الذي دفع بعض الأطراف اللبنانيين إلى التقرب مجدداً منها، ومن هؤلاء الزعيم الدرزي وليد جنبلاط، أحد أبرز الزعامات في معسكر 14 آذار، معسكر سعد الحريري. إن انتقال جنبلاط إلى المعسكر الموالي لسورية هو الذي سمح لحزب الله بإسقاط حكومة الحريري في مطلع هذا العام.
- على صعيد آخر، من المهم التوقف أمام انعكاسات حرب 2006 على العلاقة بين حزب الله وإسرائيل. فقد أحدث الرد الإسرائيلي العنيف على خطف الجنديين الإسرائيليين إيهود غولدفاسر وإلدار ريغيف صدمة قوية زعزعت ثقة حزب الله، ودفعته إلى إعادة درس سياسة هجماته، ويبدو أن حسابات التكلفة والفائدة دفعته إلى وقف هجماته المتواصلة ضد إسرائيل. ومن هذه الزاوية أجبرت حرب لبنان الثانية حزب الله على تغيير سياسته وانتهاج خط جديد لردع إسرائيل بدلاً من استنزافها في عمليات إرهابية وحرب عصابات.
- من الواضح أن تأثير الحرب في حزب الله وفي نصر الله نفسه كان عميقاً، وخصوصاً إذا أخذنا في الاعتبار أنه حتى اليوم لم ينجح الحزب في الرد على اغتيال عماد مغنية، قائد الجناح العسكري للحزب، وفشل المحاولات التي قام بها الحزب لمهاجمة أهداف إسرائيلية في الخارج.
- ومنذ حرب 2006 لا يحظى حزب الله ونصر الله بالرضى حتى داخل الطائفة الشيعية، فقد تسببت هجمات الجيش الإسرائيلي بأضرار كبيرة في البنية التحتية في المناطق الشيعية، بالإضافة إلى مقتل عدد كبير من أبناء هذه الطائفة، وبات كثيرون منهم من دون مأوى. صحيح أن أموالاً إيرانية كثيرة تدفقت من أجل ترميم أضرار الحرب، لكن أعمال الترميم جرت ببطء شديد، وتشير تقارير عدة إلى تراجع الحوافز لدى الشباب الشيعي للانخراط في صفوف الحزب. وربما هذا هو السبب وراء التقرير الذي تحدث عن الصعوبة التي يلاقيها حزب الله في استكمال القوة البشرية لديه، واضطراره إلى التنازل في مسألة النوعية لدى المجندين الجدد.
- في الخلاصة، يقول كثيرون إن حزب الله تحول بعد الحرب إلى الحاكم الأوحد في لبنان الذي قد يتحول مستقبلاً إلى جمهورية إسلامية ـشيعية. لكن الصورة أكثر تعقيداً، فإلى جانب الإيجابيات الكثيرة التي حققها الحزب بعد الحرب، ولا سيما على الصعيد العسكري، يمكننا الإشارة إلى عدد من الإخفاقات، وخصوصاً على الصعيد الداخلي وعلى صعيد العلاقة مع إسرائيل. فمنذ الحرب لم يعد حسن نصر الله هو القائد المتباهي الواثق بنفسه، فهو لم يعد يملك حرية التنقل وبات مضطراً إلى العيش داخل مخبئه ولم يعد قادراً على إقامة صلة مباشرة مع جمهوره.