· لم تنشغل الولايات المتحدة عقب هجمات الحادي عشر من أيلول/سبتمبر بتحديد مكان بن لادن فحسب، بل أيضاً في فهم الدوافع التي أدت إلى مهاجمة القاعدة لنيويورك وواشنطن، وأسباب الغضب على أميركا.
· بعد مرور ثلاثة أيام على انهيار البرجين التوأمين، رأى المعلق السياسي في مجلة "تايم" طوني كارون أن سبب الهجمات على الولايات المتحدة، وتنامي مشاعر العداء لأميركا وسط الشارع العربي هو تأييد الولايات المتحدة لإسرائيل. أمّا المعلق كارل ميرفي فكتب في صحيفة "واشنطن بوست" أنه "إذا أردنا الحؤول دون ظهور إرهابيين جدد علينا بسرعة إنهاء النزاع الإسرائيلي - الفلسطيني." وقد تبنى طوني بلير وعدد من الشخصيات الغربية وجهة النظر هذه.
· إن السؤال الذي يطرح نفسه: هل هناك علاقة بين الصراع الإسرائيلي - الفلسطيني وبين القاعدة؟ عندما نعود إلى خلفية ظهور تنظيم القاعدة، لا نجد أساساً لهذه العلاقة. لقد نشأت القاعدة في الثمانينيات وعلى بعد آلاف الكيلومترات من إسرائيل، وقامت على جهاز من المتطوعين العرب الذين قدموا إلى أفغانستان من أجل محاربة الجيش السوفياتي. وبعد هزيمة السوفيات في سنة 1989 أنشأ بن لادن القاعدة، أي أن القاعدة لم تظهر، لا في سنة 1948 ولا في سنة 1967، كردة فعل على الأحداث التي كانت إسرائيل طرفاً فيها، وإنما نشأت لأسباب لا علاقة لها بإسرائيل.
· كذلك لم تظهر القاعدة بسبب الإحباط السياسي، وإنما نتيجة نجاح بن لادن والمجاهدين في هزم قوة عظمى هي الاتحاد السوفياتي، وشعورهم بأنهم يعيدون كتابة التاريخ الإسلامي القديم، وأنهم كما انتصروا على السوفيات فإنهم سينتصرون على أميركا.
· كان الأب الروحي لبن لادن هو الفلسطيني عبد الله عزام الذي غادر الضفة الغربية وتحول إلى ناشط في حركة الإخوان المسلمين في الأردن، وهو الذي أخذ بن لادن إلى أفغانستان في الثمانينيات. ولو كان الموضوع الفلسطيني من أولوياته لكان انضم إلى حركة "حماس" في سنة 1987 لدى نشوئها بدلاً من الانتقال إلى مكان بعيد. لقد أدى الفلسطينيون عامة دوراً ثانوياً في القاعدة التي أتى معظم أعضائها من السعودية، أو من اليمن والجزائر. ولا صحة للكلام القائل إن النزاع الإسرائيلي ـ الفلسطيني هو الذي أدى إلى دخول مئات المتطوعين الفلسطينيين إلى صفوف القاعدة.
· لقد أوضح بن لادن في سنة 1989 أولوياته وكان في مقدمها إعلان الحرب على أميركا، متذرعاً بالوجود الأميركي في السعودية، واحتلت إسرائيل المرتبة الثالثة في سلم الأولويات.
· يمكننا الافتراض أنه بعد موت بن لادن، ستنشط القاعدة وفق جدول أعمال محلي، وستصبح فروعها في اليمن والصومال وشمال إفريقيا أكثر استقلالية. لكن علينا التشديد على أمر معين، وهو ضرورة رفض إسرائيل رفضاً مطلقاً الربط بين التنازلات الإسرائيلية وبين الحرب الغربية ضد القاعدة، وذلك قبل بدء ممارسة الضغوط علينا في أيلول/سبتمبر [موعد إعلان الأمم المتحدة الدولة الفلسطينية المستقلة].