أحداث سورية من وجهة نظر إسرائيلية
المصدر
مركز موشيه دايان للأبحاث شرق الأوسطية والأفريقية

تأسس في سنة 1959 بالتعاون مع جامعة تل أبيب. وهو مركز متعدد المجالات، ينشر دراسات تتعلق بالنزاع الإسرائيلي- الفلسطيني، كما يُعنى بالموضوعات السياسية والاجتماعية والاقتصادية في الدول العربية والدول الأفريقية. ولدى المركز أهم مكتبة للمصادر العربية من كتب ومجلات وصحف. وتصدر عن المركز سلسلة كتب مهمة في مختلف المجالات، ولديه برامج تدريب ومنح أكاديمية.

·       في شهر كانون الثاني/ يناير تباهى الرئيس السوري بشار الأسد في مقابلة مع صحيفة "وول ستريت" بأن الوضع في سورية مستقر بعكس مصر التي أدت حركة الاحتجاجات فيها إلى الإطاحة بحكم حسني مبارك. وفي 19 آذار/مارس تغير هذا الوضع عندما انطلقت التظاهرات في مدن مثل درعا واللاذقية وانتقلت إلى أنحاء أخرى من سورية منادية بالإصلاح السياسي والحرية.

·       في بداية الأحداث التزم الأسد الصمت، على الأرجح بسبب اختلاف الآراء داخل النظام بشأن كيفية الرد عليها. وفي النهاية تحدث الأسد في 30 آذار/مارس، وبدلاً من أن يعلن إلغاء قانون الطوارىء ويقدم إصلاحات، اتهم جهات خارجية بالتآمر على سورية والعمل على تقسيمها.

·       ومن المفارقات الغريبة أنه بينما كان الأسد يتهم إسرائيل والولايات المتحدة بالتخطيط للأحداث في سورية، اختلفت المواقف داخل إسرائيل إزاء مستقبل النظام السوري. إن التردد في الموقف الإسرائيلي سببه وجود مسارين متعارضين في العلاقات السورية الإسرائيلية خلال العقدين الماضيين. يتجلى المسار الأول في البحث عن تسوية سياسية أطلقها مؤتمر مدريد سنة 1991، واستمر خلال ولاية إسحق رابين لرئاسة الحكومة الإسرائيلية في أواسط التسعينيات. فمنذ مؤتمر مدريد تبنت أغلبية رؤساء الحكومة الإسرائيلية موقفاً مؤيداً للتوصل إلى اتفاق سلام مع سورية أولاً. وكانت ترى أن حل النزاع مع سورية أسهل من حل النزاع مع الفلسطينيين. كذلك كانت تعتبر أن سورية هي دولة مستقرة، وفيها زعامة يمكن الوثوق بها. في المقابل رغبت سورية آنذاك في تسوية سلمية تجعلها تسترد الأراضي التي احتلتها إسرائيل وتحسن علاقاتها مع الولايات المتحدة.

·       خلال التسعينيات عملت كل من سورية وإسرائيل على صياغة تسوية تنسحب بموجبها إسرائيل بشكل كامل من هضبة الجولان في مقابل ترتيبات أمنية ومعاهدة سلام. لكن هذه المفاوضات ما لبثت أن انهارت في آذار/مارس 2000 بعد أن قدم الرئيس الأميركي بيل كلينتون إلى الرئيس السوري حافظ الأسد عرض رئيس الحكومة الإسرائيلية إيهود باراك الأخير، وذلك خلال القمة التي جمعتهما في جنيف.

·       توفي حافظ الأسد في السنة نفسها تاركاً وراءه إرثاً معقداً. فقد بنى دولة قوية وحوّل سورية إلى لاعب إقليمي أساسي، وبرع في إدارة اللعبة المزدوجة في السياسة الخارجية، فهو كان يتحاور مع واشنطن ويتحالف مع إيران، يتفاوض مع إسرائيل ويدعم في الوقت نفسه حزب الله في هجماته ضدها، يشارك في مؤتمر مدريد للسلام ويشجع على الحملة ضد الزعيم الفلسطيني ياسر عرفات متهماً إياه ببيع فلسطين لإسرائيل عبر انضمامه إلى المفاوضات. لقد عرف الأسد كيف يستغل أهمية سورية بالنسبة إلى إسرائيل والولايات المتحدة كدولة أساسية في الحياة السياسية العربية وكمعقل للقومية العربية.

·       حاول بشار الأسد أن يلعب هذه اللعبة المزدوجة في العراق ولبنان، لكنه فشل في أن يحذو حذو والده، الأمر الذي أدى إلى اصطدامه بالرئيس الأميركي جورج بوش الابن. كذلك جرب بشار الأسد مواصلة انتهاج المسارين المتعارضين في مفاوضاته مع إسرائيل، فكان يعلن رغبته في التوصل إلى اتفاقية سلام مع إسرائيل في مقابل الانسحاب الإسرائيلي الكامل من الجولان، لكنه، وفي الوقت نفسه، كان يشدد على أنه مستعد لخوض الحرب في حال فشلت المساعي الدبلوماسية. وتأكيداً لكلامه قام الأسد بتسليح قواته المسلحة، واتفق سراً مع كوريا الشمالية على بناء مفاعل نووي سري بالقرب من الحدود السورية العراقية. وساهم بالتعاون مع إيران في تزويد حزب الله بترسانة من الأسلحة شملت 40 ألف صاروخ وقذيفة، كذلك ساعد في تحويل غزة تحت سيطرة "حماس" (قيادتها موجودة في دمشق) إلى قاعدة إيرانية متقدمة في الشرق الأوسط.

·       تبدلت السياسة الإسرائيلية تجاه النظام السوري خلال أعوام حكم الرئيس بشار الأسد. وتجدر الإشارة هنا إلى أنه خلال تلك الفترة كانت المؤسسة العسكرية من أهم الجهات المؤيدة داخل إسرائيل لتسوية مع سورية، وذلك اعتقاداً منها بأن اتفاق السلام مع سورية سيشكل خطوة مهمة للحد من نفوذ إيران في المنطقة، وتغيير مسار الأحداث في لبنان. وتختلف وجهة النظر هذه القائمة على معادلة الأرض في مقابل تغيير التحالفات الاستراتيجية عن وجهة النظر السابقة والقائمة على معادلة الأرض في مقابل السلام التي سادت خلال المفاوضات الماضية الإسرائيلية - السورية. لقد أثبت السوريون عدم رغبتهم في الابتعاد عن حزب الله وإيران، وأوضحوا في المحادثات التي أجروها مع المسؤولين الأميركيين والأوروبيين أنهم قد يغيرون، بالتدريج، توجهاتهم (في مقابل حصولهم على الثمن الملائم من إسرائيل والولايات المتحدة)، لكنهم لن يقدموا على تغيير دراماتيكي في تحالفاتهم.

·       اختلفت درجة تجاوب القيادة السياسية في إسرائيل مع دعوات المؤسسة العسكرية من أجل التوصل إلى تسوية سلمية مع سورية. فعلى سبيل المثال، ركز أريئيل شارون على الموضوع الفلسطيني ورفض التفاوض مع سورية، الأمر الذي تلاءم مع توجهات إدارة الرئيس جورج بوش. أمّا إيهود أولمرت الذي جاء بعد شارون وحافظ على علاقات وثيقة مع إدارة بوش، فقد فاوض الأسد عبر تركيا وساهم في خروج سورية من العزلة السياسية المفروضة عليها من الولايات المتحدة. لكن هذا لم يمنعه من توجيه الأوامر بتدمير المفاعل النووي الذي تبنيه كوريا في سورية في أيلول/سبتمبر 2007. وما لبثت أن انهارت المفاوضات غير المباشرة مع سورية فور بدء عملية "الرصاص المصبوب" ضد غزة في كانون الأول/ديسمبر 2008. كذلك ركز رئيس الحكومة الإسرائيلية الحالية بنيامين نتنياهو جهده على الجبهة الفلسطينية ولم يبد حماسة لعودة الوساطة التركية من أجل التفاوض مع سورية.

·       إن الموقف الإسرائيلي من الأحداث التي تشهدها سورية يجب أن يستند إلى هذه الخلفية التاريخية. إذ يعتقد المسؤولون في إسرائيل أن المحور السوري الإيراني ضعف نتيجة الاضطرابات الداخلية التي تعصف بالنظام السوري، لكنهم يتخوفون من بديل من نظام الرئيس الأسد، ولا سيما من الإخوان المسلمين.

·       إن قدرة إسرائيل على التأثير في التطورات الداخلية السورية محدودة للغاية، من هنا لا يسعها إلاّ أن تراقب سير هذه التطورات عن كثب. وهي تتمنى لو أنها تملك هذا القدر من التأثير داخل سورية، كما يدّعي الأسد.