لا يمكن صنع السلام مع نظام رجال عصابات
المصدر
هآرتس

من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".

المؤلف

·       عندما نتأمل في حمام الدم المسفوح في سورية خلال العامين الأخيرين، يظهر بين المشاركين فيه لاعبون جدد مثل جبهة النصرة، الميليشيا المرتبطة بالقاعدة، لكن اللاعبين الأساسيين معروفون وقديمون: فهناك بشار الأسد والطائفة العلوية، وحزب الله الذي يتزعمه نصر الله، والتابع لأوامر طهران.

·       كان والد بشار، حافظ الأسد، مشهوراً بوحشيته. فقد قمع تظاهرات الإخوان المسلمين في حماه في سنة 1982 بمجزرة  أودت بحياة نحو 20 ألف شخص من سكان المدينة ارتكبها شقيقه رفعت الأسد. وبعد مرور أشهر على ذلك، أمر حافظ الأسد باغتيال الرئيس اللبناني المنتخب، بشير الجميل. وما يمكن قوله هو أن نظامَ عائلة الأسد نظامُ رجال عصابات لا يقيمون وزناً لحياة الإنسان أو للقانون.

·       فكيف نفسر، والحال هذه، حماسة رؤساء الحكومة الإسرائيلية، من يتسحاق رابين حتى إيهود أولمرت، للتوصل إلى اتفاق سلام مع رجال عصابات وإعادة الجولان إليهم؟ وكيف يمكن تفسير محاولة رابين وإيهود باراك إشراك الرئيس الأميركي بيل كلينتون في المفاوضات [مع السوريين]، والتي أثنى باراك خلالها على الرئيس السوري حافظ الأسد واصفاً إياه بالزعيم الكبير وباني سورية الحديثة؟ أمّا أولمرت فطلب من صديقه "التركي الكبير" رجب طيب أردوغان التوسط بين إسرائيل ونظام العصابات في سورية. فإذا كان كلينتون لا يعرف الطبيعة الحقيقية للعصابة الحاكمة في سورية، فإن رؤساء الحكومة الإسرائيلية يعرفونها من دون شك.

·       أمّا بالنسبة إلى حزب الله، التنظيم الشيعي المسؤول عن موت مئات المواطنين الإسرائيليين، والذي سبق أن أعلن في سنة 1985 أن هدفه هو "القضاء نهائياً على إسرائيل"، فإنه اليوم يساعد الأسد في ذبح أبناء شعبه. لقد استطاع الحزب أن يصل إلى قوته الحالية بفضل الانسحاب الأحادي الجانب الذي قام به باراك من الجنوب اللبناني في سنة 2000، وبعد أن غدرنا بجيش لبنان الجنوبي. يومها ادعى مؤيدو هذه الخطوة التعيسة أن هذا الانسحاب سيجعل حزب الله يتخلى عن حربه ضد إسرائيل ويتحول إلى حزب سياسي، لكنه بدلاً من ذلك، وبعد "الانتصار على إسرائيل" الذي نسبه إلى نفسه، تحول إلى القوة المسيطرة على لبنان، وإلى ميليشيا أقوى من الجيش اللبناني. وتواصلت الهجمات على إسرائيل بعد الانسحاب، الأمر الذي أدى إلى حرب لبنان الثانية.

·       وكأنه لا يكفينا أوهام الزعماء الإسرائيليين الذين سعوا لتوقيع اتفاق مع الأسد، فقد انضم إلى هؤلاء، أولئك الذين ادّعوا أنه بعد إعادة الجولان إلى السوريين، سيقوم النظام السوري بمنع حزب الله من مهاجمة إسرائيل، وأنه بهذه الطريقة سيحل السلام سواء على الحدود مع سورية، أو مع لبنان. ووفق دعاة نظرية الواقعية السياسية فإن من مصلحة إسرائيل سيطرة سورية على لبنان، وأن في الإمكان الاعتماد على الأسد.

·       وفي الواقع وراء هذا كله هناك فكرة أساسية سيطرت على عقول أنصار السلام هي ضرورة عودة إسرائيل إلى خطوط الرابع من حزيران/ يونيو 1967، وأن هذه هي الوصفة الأكيدة لتحقيق السلام والأمن. وهذا ما حدث فعلاً في مفاوضات السلام مع مصر، والتي في إطارها طُلب من إسرائيل أن تعيد إلى المعتدي [المقصود مصر] جميع الأراضي التي خسرها في الحرب التي شنها، وأن هذا ما يجب فعله مع سورية. واليوم، وبعد أن فرضت الأوضاع التخلي عن هذه الخطة، هناك مَن يطالب بتطبيقها في يهودا والسامرة [الضفة الغربية]. وعلى ما يبدو، فبالنسبة إلى هؤلاء فإن الطريق إلى السلام في الجنوب وفي الشمال والشرق تمر كلها من خلال العودة إلى خطوط الرابع من حزيران/ يونيو 1967، كـأنما الواقع الجديد في الشرق الأوسط لم يغير شيئاً من معتقداتهم، وهم يفضلون نسيان أن إسرائيل في حزيران/ يونيو سنة 1967 كانت مهددة بخطر وجودي.