توسع الاستيطان في الضفة الغربية في الأعوام الأخيرة، يجعل من الصعب قيام دولة فلسطينية مستقلة
المصدر
هآرتس

من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".

المؤلف

·       عشية اطلاق المسعى لإعادة تحريك المفاوضات السياسية بين إسرائيل والفلسطينيين، والتي يصادف وقوعها  قبل أشهر من الذكرى السنوية العشرين لتوقيع اتفاقات أوسلو، يتوجب علينا التوقف ودراسة ما حصل خلال هذه الأعوام في الضفة الغربية. إن القيام بجولات في الضفة الغربية تزيد من الشكوك بأنه رغم النوايا الحسنة لوزير الخارجية الأميركي الجديد جون كيري، فإن مبادرته الجديدة، على الأرجح، ستفشل، مثلما حدث مع مبادرات معظم وزراء الخارجية الذين تولوا هذا المنصب في العقدين الاخيرين. ولا يعود سبب الفشل إلى الفجوات الأساسية في مواقف الطرفين من المسائل الجوهرية (القدس؛ الحدود؛ واللاجئين) بل إلى ما يجري على الارض، وفي طليعة ذلك العملية المتواصلة لتوسيع المستوطنات.

·       هذا الأمر يجعلنا نطرح السؤال التالي: هل تأخر المسعى الأميركي من أجل استئناف المفاوضات بين الطرفين؟ في رأي شاؤول أرئيلي لم يفت الأوان بعد. وأرئيلي هو عقيد في الاحتياط، وأحد كبار رجالات مبادرة جنيف ومجلس السلام والأمن، ومن الذين شاركوا في المفاوضات السلمية التي جرت أيام حكومة إيهود باراك [في سنة 2000]، ويزور الضفة أسبوعياً. ويشير أرئيلي خلال جولة قمنا بها معه في الضفة الى تجدد حركة البناء في المستوطنات، لكنه في المقابل يقدم معطيات تدل في رأيه على فشل قيادة المستوطنين في منع قيام دولة فلسطينية مستقبلية وفي ضمان ضم المستوطنات الاسرائيلية في الضفة الى إسرائيل. 

·       وفي الواقع، يسكن في الضفة اليوم أكثر من 340 ألف إسرائيلي، وهذا العدد لا يشمل أولئك الذين يسكنون في القدس الشرقية. وتحتل الكتل الاستيطانية، التي يتركز فيها نحو 75% من السكان الاسرائيليين، نحو6% فقط من أراضي الضفة. ونحو 88% من سكان الضفة هم فلسطينيون، وفقط 12% هم من الإسرائيليين. وتبلغ نسبة السكان داخل الكتل الاستطيانية: 95% يهود مقابل 5% فلسطينيين، أما خارج هذه الكتل فتبلغ 97% فلسطينيين مقابل 3% يهود.  

·       يستنتج أرئيلي من ذلك أن النزعة السائدة والأغلبية اليهودية محصورة فقط في الكتل الاستيطانية ويقول: "لا مشكلة مادية في الوصول الى إتفاق على تبادل الأراضي مع الفلسطينيين، بحيث تحتفظ اسرائيل بنحو 4% من أراضي الضفة، أي معظم الأراضي التي تقع عليها الكتل الاستيطانية. إن قادة المستوطنين في"يشع" [مجلس يهودا والسامرة] يقومون بعملية غسل للدماغ، ويدعون بأنهم منعوا الدولة الفلسطينية، بينما هذا الأمر في الواقع لم يحصل. توجد 75 مستوطنة إسرائيلية خارج الكتل، ولكن في 80% منها يسكن أقل من 2000 نسمة في المستوطنة الواحدة، وبالتالي فإن هؤلاء السكان لا يشكلون مشكلة لا يمكن التغلب عليها [ في حال إخلاء سكان هذه المستوطنات]، والمطلوب هو الشجاعة وقرار سياسي"

·       على مدى نحو 15 عاماً من المتابعة لما يجري في المناطق، لم التقِ خبيراً يعرف أفضل من أرئيلي ما يجري عملياً على الأرض. ولكن  موقفه هذا يثير بعض الشكوك، فهل من المحتمل أن يكون أرئيلي يفسر الحقائق على الأرض وفقاً لنظرته الأيديولوجية؟

·       صحيح أن المستوطنين لم يقتربوا بعد من تحقيق هدف مليون إسرائيلي يقيمون شرقي الخط الأخضر، الذي يتحدث عنه مؤخراً بعض زعمائهم، ولكن من الصعب التجول مثلاً في سلسلة جدعونيم، ذاك القطاع الطويل من المزارع والبؤر الاستيطانية الواقعة فوق مستوطنة إيتمار شرقي نابلس، من دون التفكير في احتمال أن يكون المستوطنون قد انتصروا، وأن الوضع على الأرض بات فعلاً لا عودة عنه.

·       في شتاء 1998،  عندما كنت ما أزال مراسلاً عسكرياً مبتدئاً، زرت جدعونيم برفقة قائد اللواء الإقليمي، وقد روى لي قائد اللواء باسهاب كيف أقيمت البؤر الاستيطانية غير القانونية، ولكنه اعترف في الوقت عينه بأن الجيش كان يوفر لهم الحماية. وهكذا كانت هناك ذراع من السلطة تعلن بأن البناء محظور، في حين كانت هناك ذراع ثانية تحرص على أمن المستوطنين في البؤر الاستيطانية، وذراع ثالثة تتأكد من أنهم يتلقون المساعدة على صعيد شبكات البنى التحتية واللوجستية. وخلال الزيارات التي قمت بها منذ ذلك الحين، حتى في أيام الانتفاضة الثانية، كان يمكن للمرء أن يرى نمو وازدهار الاستيطان في جدعونيم. وما كان يشبه في الماضي الغرب المتوحش تحول اليوم إلى سلسلة من المزارع الشديدة التنظيم، التي استطاعت السيطرة على مساحة أرض كبيرة الحجم.

·       في مكتب غيرشون مسيكا، رئيس المجلس الاقليمي في السامرة ومن رموز اليمين في قيادة المستوطنين، معلق جدول يصور تطور عمليات البناء في مستوطنات المجلس، ويظهر من خلاله كيف أنه منذ زمن بعيد لم تشهد المستوطنات في يهودا والسامرة، سواء أكانت قانونية أم غير قانونية، وسواء كانت داخل الكتل الاستيطانية أم تقع وراء الجدار، مثل هذه الأيام الجيدة.  وفي الواقع فإن تجميد الاستيطان الذي طُبق في بداية عهد حكومة بنيامين نتنياهو الثالثة انقضى منذ زمن بعيد. وخلال العام الفائت ضعفت الرقابة الحكومية وقد تقلصت أكثر خلال فترة الحكومة الجديدة، حيث بات وضع المستوطنين فيها أقوى من أي وقت مضى.

·       في تقدير قيادة المستوطنين في يهودا والسامرة أن الحكومة معهم، ولكن تتخوف هذه القيادة من أن يؤدي الضغط الأميركي إلى نهاية فترة الازدهار. وتجدر الاشارة إلى أن المستوطنين موجودون اليوم في وزارات الإسكان والدفاع، والتعليم، والأديان، ومديرية أراضي إسرائيل، ومؤخراً حتى في شبكة المحافظة على الطبيعة والحدائق.

·       في ظل المسعى الأميركي الجديد لتحريك المفاوضات، يبدو أن مستوى التوقعات في السلطة الفلسطينية بقي منخفضاً، وثمة عدد من كبار المسؤولين في السلطة لا يشاركون وزير الخارجية الأميركي جون كيري تفاؤله. كما يشكك الفلسطينيون بوجود شيء حقيقي في التزام نتنياهو برؤيا الدولتين، وهم يعتقدون بأنه غير مهتم بحل النزاع معهم. كما يدرك الفلسطينيون أيضاً ما حصل على الأرض خلال العقدين الأخيرين، إذ لم يتضاعف عدد اليهود ثلاثة أضعاف فحسب، بل انتشرت البؤر الاستيطانية شرقاً وخلقت تواصلاً استيطانياً على أرض تبدأ من الخط الأخضر وتنتهي الآن تقريبا في غور الأردن. وفي نظر الفلسطينيين فإن تأجيل الحل لسبعة أعوام بين أوسلو 1993 وكامب ديفيد 2000، وبعد ذلك تأجيله لمدة 13 عاماً من الانتفاضة والجمود السياسي، استغله المستوطنون جيداً. وحتى حين تلوح السلطة بالتهديد بالدولة الثنائية القومية يبدو أن الفلسطينيين يتخوفون من أن يراكم المستوطنون خلال هذه الفترة الزمنية المزيد من الأرض والمزيد من النفوذ، ومن أجل أن ينجحوا في إحباط هذا السيناريو أيضاً.

·       إن المسار البديل الذي تدرسه السلطة هو القناة الدولية. فإذا ما فشلت مبادرة كيري أيضاً، سيستأنف الفلسطينيون في الخريف القادم توجههم نحو المحافل الدولية بهدف تثبيت مكانة السلطة هناك كدولة وإحراج إسرائيل. والمعروف أن الخطوات السابقة في هذا الاتجاه، في خريف 2011 وفي خريف 2012، لم تتكلل بالنجاح. بيد أن السلطة تبذل الآن جهودها لبلورة خطة أكثر تنظيماً وذلك تمهيداً للجولة التالية.

·       في المقابل، تتصارع السلطة مع إسرائيل – فـي الساحتين القضائية والإعلامية – وكذلك في مناطق "ج"، وذلك بدءاً من إقامة بؤر فلسطينية وهمية [مثل إقامة الفلسطينيين بؤرة باب الشمس]، وصولاً إلى التوجه نحو محكمة العدل العليا. لقد حددت السلطة لكيري موعداً نهائياً هو 7 حزيران/يونيو من أجل استئناف المفاوضات. وإذا لم يتحقق ذلك، فإن الفلسطينيين مقتنعون بأنهم سائرون نحو انتفاضة ثالثة.