الولايات المتحدة تريد حلاً براغماتياً للأزمة مع إيران، وإسرائيل ستدفع ثمناً باهظاً إذا تجاهلت ذلك
المصدر
هآرتس

من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".

المؤلف
  • بعد أن سمعتُ بنيامين نتنياهو يحاول للمرة الألف مقارنة حسن روحاني بأدولف هتلر، وإسرائيل اليوم بتشيكوسلوفاكيا عشية توقيع اتفاق ميونيخ، شعرت بالرغبة في توجيه رسالة إلى رئيس الحكومة بعنوان "ألف سبب وسبب لماذا الجمهورية الإسلامية الإيرانية ليست ألمانيا النازية، وإسرائيل سنة 2013 ليست تشيكوسلوفاكيا سنة 1938، (ونتنياهو ليس تشرشل)".
  • من الطبيعي أن تشكل المحرقة التي أحاقت بيهود أوروبا خلال الحرب العالمية الثانية، والسياسة البريطانية المتساهلة قبيل هذه الحرب، عناصر أساسية في عملية اتخاذ القرارات لدى الزعماء الإسرائيليين والغربيين في المسائل المتعلقة بالأمن القومي. لكن المبالغة في استخدام المقارنات التاريخية لا تؤدي إلى التقليل من أهميتها فحسب، بل قد تتسبب بقصور ذهني.
  • فعندما يصور الخصم على أنه هتلر، تصبح أي محاولة للتوصل إلى اتفاق معه حتى بصورة جزئية، أشبه بسياسة تشامبرلين المتساهلة، ومن شأنها حتماً أن تخلق حوافز عدوانية، وسيتحول اليهودي في مثل هذا السيناريو إلى ضحية.
  • إن أغلبية السياسيين الغربيين الذين تعلموا درس اتفاق ميونيخ انتهجوا سياستهم الخارجية خلال الحرب البادرة وما بعدها انطلاقاً من ضرورة الحذر في التعامل مع الأعداء الإيديولوجيين في العالم واتخاذ موقف صارم تجاههم. لكنهم في الوقت عينه قدروا أنه من الممكن التوصل معهم إلى حلول مؤقتة أو دائمة تحول دون نشوب حرب وتسمح بالتعايش وربما بالتعاون.
  • وبينما ينظر نتنياهو إلى العالم من منظور أحادي على أنه ساحة للصراع الدولي بين أبناء النور وأبناء الظلمة، يبدو باراك أوباما براغماتياً يدير سياسة بلاده بالاستناد إلى قاعدة عريضة ومتنوعة من الأفكار والتجارب. وقد توصل إلى النتيجة التي توصل إليها نيكسون بأن المصلحة الأميركية تفرض اجراء مفاوضات مع زعماء وأنظمة لا تتبنى القيم الليبرالية للغرب.
  • خلال الحرب الباردة أقنع نتنياهو الأميركيين بأن منظمة التحرير الفلسطينية ومؤيديها في العالم العربي ألعوبة في يد الاتحاد السوفياتي، وأن على واشنطن الاعتماد على إسرائيل من أجل الدفاع عن قيمها ومصالحها في الشرق الأوسط. وهو اليوم يحاول إقناعهم بأن التطرف الإسلامي بما في ذلك آيات الله في طهران، هو الخطر الأساسي على الغرب، وأن إسرائيل هي الجبهة المتقدمة للولايات المتحدة في المنطقة في هذا الصراع.
  • ولكن تشكيلات القوى في الشرق الأوسط وفي العالمين العربي والإسلامي في سنة 2013 مختلفة عما كانت عليه في العام 2001 عندما نجح جورج بوش ومساعدوه في إقناع الشعب والكونغرس بوجود علاقة بين النظام العلماني الفاشي لصدام حسين السني والاصوليين الإسلاميين في القاعدة.
  • يبدو الشرق الأوسط اليوم فسيفساء من القوميات والشعوب والمجموعات الإثنية والعشائر والأنظمة العسكرية وحتى من المعارضة العلمانية، وليس كياناً يجمعه قاسم مشترك سياسي-إيديولوجي إسلامي راديكالي معاد للغرب.
  • يدرك أوباما نظراً إلى كونه من أتباع الواقعية السياسية، أنه في ظل الوضع الحالي حيث موازين القوى تتغير بسرعة كبيرة، تقتضي المصلحة الأميركية الامتناع عن اختيار طرف والوقوف إلى جانبه في الصراع الدائر في المنطقة.
  • وليس مستغرباً ألا يكون هناك من يصدق نظرية نتنياهو بأن الصراع في المنطقة هو بين الأشرار والأخيار، لا في أوساط النخبة في واشنطن ولا وسط الجمهور الأميركي العريض الذي تعب من الحروب في الشرق الأوسط، وبصورة خاصة من محاولات تصدير القيم الأميركية إلى هناك.
  • إن فشل المتأمرك الإسرائيلي المخضرم [نتنياهو] في قراءة الخريطة السياسية للولايات المتحدة أمر مؤسف. ففي واشنطن يدركون أن الحرب الدائرة ليست بين أبناء النور وأبناء الظلمة، وأن المصلحة الأميركية تقتضي الامتناع عن تصوير الأزمة مع إيران على هذا الشكل، وتقتضي العمل للتوصل إلى حل براغماتي يحول دون الحرب.
  • لو كان هناك زعيم إسرائيلي مثل بسمارك لكان قبل بذلك، وأدرك أن إسرائيل ستدفع ثمناً باهظاً إذا تجاهلت المصالح المتغيرة لحليفها الدولي، وأن عليها أن تتبنى استراتيجية تقوم على التعايش الطويل الأمد بين قوتين إقليميتين: إسرائيل النووية وإيران النووية.