تغير موازين القوى في سورية يفرض على إسرائيل الاستعداد للانعكاسات المحتملة لتقسيمها
المصدر
معهد دراسات الأمن القومي

معهد أبحاث إسرائيلي تابع لجامعة تل أبيب. متخصص في الشؤون الاستراتيجية، والنزاع الإسرائيلي -الفلسطيني، والصراعات في منطقة الشرق الأوسط، وكذلك لديه فرع خاص يهتم بالحرب السيبرانية. تأسس كردة فعل على حرب تشرين الأول/أكتوبر 1973، بقرار من جامعة تل أبيب؛  وبمرور الأعوام، تحول إلى مركز أبحاث مستقل استقطب مجموعة كبيرة من الباحثين من كبار المسؤولين الأمنيين، ومن الذين تولوا مناصب عالية في الدولة الإسرائيلية، بالإضافة إلى مجموعة من الأكاديميين الإسرائيليين، وهو ما جعله يتبوأ مكانة مرموقة بين المؤسسات البحثية. يُصدر المعهد عدداً من المنشورات، أهمها "مباط عال" و"عدكان استراتيجي"، بالإضافة إلى الكتب والندوات المتخصصة التي تُنشر باللغتين العبرية والإنكليزية.

– مباط عال

 

  • تغيرت طبيعة المواجهة في سورية بصورة جذرية في الشهر الأخير، أي منذ إعلان الرئيس الأميركي أوباما في 13 آب/أغسطس 2013، أن نظام الأسد استخدم السلاح الكيميائي ضد المدنيين، وأن العقوبة الملائمة على ذلك هي عملية عسكرية. بعد مرور أسبوعين أعلن وزيرا خارجية الولايات المتحدة وروسيا عن خطة لتجريد سورية من السلاح الكيميائي، واتخذ مجلس الأمن قراراً يقضي بتنفيذ الخطة. وبناء على ذلك جرى استبعاد الهجوم الأميركي في هذه المرحلة.
  • خلال الفترة التي فصلت بين إعلان الرئيس أوباما عن عملية انتقامية ردعية وبين التخلي عن خيار الهجوم مقابل تجريد سورية من السلاح الكيميائي، حدث تغير دراماتيكي في موازين القوى بين الأطراف التي تتقاتل على مستقبل سورية. والمفارقة أن ما حدث حوّل الأسد من رئيس غير شرعي إلى شريك شرعي للمجتمع الدولي في تطبيق قرار تجريد سورية من السلاح الكيميائي. وبدا أن سجل الجرائم التي ارتكبها الأسد خلال عامين ونصف العام وتسببت بمقتل عشرات الآلاف من المواطنين محي.
  • في المقابل، خسر الائتلاف الوطني للمعارضة السورية والجيش السوري الحر مكانتهما في قيادة قوى المعارضة. فالموجة الأساسية التي ركبتها قيادة المعارضة كانت المساعدة الغربية، الأميركية تحديداً، إلى جانب تحالف الدول الإقليمية المكون من تركيا والأردن ودول الخليج. وأملت هذه المعارضة أنه في نهاية الأمر، سيحدث التدخل الخارجي بقيادة الولايات المتحدة ما سيؤدي إلى سقوط حكم الأسد. وخلال فترة تصريحات أوباما بشأن الهجوم ثم تراجعه عن الخيار العسكري، أعدت قوى المعارضة العدة للهجوم على العاصمة دمشق تحت غطاء الهجوم الأميركي المنتظر. لكن بعد التخلي عن خيار الهجوم العسكري الأميركي، أعلنت عناصر الجهاد المتطرفة التي تعمل بصورة مستقلة، عدم خضوعها لإرادة قيادة المعارضة الموجودة خارج سورية. في الوقت عينه، بدأ صعود قوة التنظيمات الإسلامية المتشددة ولا سيما الدولة الإسلامية في بلاد العراق والشام [داعش]، أو "الحلف الإسلامي" الذي أنشىء في 24 أيلول/سبتمبر 2013 وضم 13 فصيلاً من الثوار بمن فيهم "جبهة النصرة" إلى جانب ثلاث كتائب انشقت عن الجيش السوري الحر.
  • شكل الانقسام بين قوى المعارضة ضربة قاسية إلى مبادرة عقد مؤتمر جنيف الثاني ولا سيما بعد إعلان المجموعات الإسلامية أن المعارضة لا تتمثل إلا من خلال الذين "ضحوا بأنفسهم من أجل الصراع".
  • في مقابل هذا كله، قررت قوات المعارضة الإسلامية في ظل ضعف الجيش السوري الحر واستبعاد خيار التدخل الأميركي، تغيير استراتيجيتها، وبدلاً من تركيز عملياتها على احتلال أراض جديدة واقعة تحت سيطرة نظام الأسد، بدأت تعمل على توطيد سيطرتها على المناطق التي لا وجود فعلي فيها لنظام الأسد وتشكل نحو 50% من أراضي سورية. وعملياً نشأت جبهتان تابعتان للعناصر الإسلامية المتشددة: "الحلف الشمالي" The Northern Alliance؛ و"الجبهة الجنوبية" The Southern Front.
  • أدرك الأسد الفرصة التي ينطوي عليها انقسام المعارضة والخطوات التي تقوم بها التنظيمات الإسلامية المتشددة، فقام بتشجيع الانقسام ويقوم بإبراز هيمنة العناصر الإسلامية المتشددة. وهو يستغل قوات الجهاديين ويشجعهم على مقاتلة قوات الجيش السوري الحر في الأماكن التي لا يستطيع جيشه القتال فيها بنفسه.
  • والسؤال المطروح الآن: هل درس الرئيس أوباما ومستشاروه الانعكاسات المحتملة لتأجيل الهجوم والمضي في الحل السياسي برعاية روسيا؟ عملياً، أدى ذلك إلى تغيير جذري في طبيعة المواجهة في سورية وتسبب في انهيار الإطار الموحد الذي يجمع المعارضة، وتسريع عملية تقسيم سوريا الى مناطق خاضعة لنفوذ قوات الأسد وأخرى تابعة لمجموعات القاعدة والإسلام المتشدد ونشوء مناطق تشمل نحو 50% من أراضي سورية تطبق الشريعة الإسلامية فيها.
  • يتعين على إسرائيل الاستعداد لمواجهة انعكاسات تقسيم سوريا وتمركز مجموعات إسلامية متشددة على حدودها الشمالية لأن ذلك معناه عدم وجود عنوان واضح ومسؤول عما يجري، وعدم وجود طرف مركزي يحاول منع تهريب السلاح والحؤول دون بناء بنية تحتية للإرهاب. وهذا الأمر سيجعل من الصعب وضع قواعد ثابتة للعبة، وسيؤدي إلى زيادة الاستفزازات على طول الحدود في جبهة الجولان، بل وحتى من المحتمل وقوع معارك وإطلاق صواريخ على الجبهة الداخلية. الى جانب هذا كله، يتعين على الغرب وإسرائيل الاستعداد لإمكانية انتقال عدم الاستقرار والعنف الى الدول المجاورة لسوريا، سواء احتجاجاً على الوضع الاجتماعي في هذه الدول بسبب استعيابها في الفترة الأخيرة مئات الآلاف من اللاجئين، أو بسبب انتقال المواجهات إلى تلك الدول.