ضرر التدخل العسكري في ليبيا أكبر من فائدته
المصدر
هآرتس

من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".

·       يستحق التدخل العسكري في ليبيا الثناء من جانب كل مدافع عن الحرية وحقوق الإنسان. لكن نظرة متعمقة إلى هذا التدخل تثير مجموعة من التساؤلات بشأن أهميته ونتائجه المتوقعة.

·       إن جزءاً من التأييد الأوروبي للعملية العسكرية يعود إلى الالتزام بالقيم الإنسانية، إلاّ إن عدم القيام بأي مسعى جدي لمنع المذابح الجماعية وأعمال الاغتصاب في دول أخرى في القارة الإفريقية يثير الشكوك في شأن دوافع التدخل في ليبيا. فهناك مصلحة خاصة لأوروبا في أن تكون ليبيا مستقرة من أجل منع تدفق المهاجرين غير الشرعيين، وهناك اعتبارات النفط، علاوة على أن العملية العسكرية "رخيصة" التكلفة، لأن استخدام الطائرات والصواريخ لا يعرض حياة الجنود الغربيين للخطر.

·       لم تغب المصالح السياسية الواقعية، والتي هي وراء اتخاذ قرار التدخل في ليبيا عن أنظار العرب المسلمين. ولا تكفي مشاركة قوات عربية في هذا التدخل ـ هذا في حال حدوثها ـ لإزالة الانطباع السائد لدى شريحة واسعة في العالم العربي، بأن التدخل الحالي هو أشبه بغزو استعماري جديد. وتزداد هذه المقارنة زخماً في ظل غياب التدخل الغربي ضد حكام دول عربية أخرى يقمعون "الثورات الشعبية"، لأن من مصلحة الغرب بقاءهم في الحكم، أو لأن ثمن التدخل سيكون دموياً.

·       أمّا بالنسبة إلى النتائج المتوقعة، فليس أكيداً أن ليبيا ستتحول إلى دولة ديمقراطية يسودها الهدوء. كذلك لن تردع سابقة التدخل العسكري في ليبيا الحكام الآخرين عن قمع الثورات بالقوة، في حال لم تكن الإصلاحات التي اقترحوها كافية.

·       على الرغم من ذلك، فإن التدخل في ليبيا سيشجع الانتفاضات في دول أخرى، وسيسرع من عمليات الإصلاح. ولا يمكننا أن نتوقع مسبقاً نتائج مثل هذه التطورات باستثناء زيادة واضحة في الحراك الاجتماعي في الدول العربية، والذي قد يؤدي التدخل الغربي في ليبيا إلى توجهه، ضد الغرب. وفي حال بدت هذه التدخلات الغربية وكأنها صورة عن الاستعمار الجديد، واتُهمت بأنها تريد فرض قيمها على الدول الإسلامية، فمن الممكن أن يتعاظم الإرهاب المعادي للغرب.

·       والأخطر من ذلك هو الدرس الذي قد يستخلصه الحكام العرب، والمتعلق بحاجتهم إلى سلاح يردع الغرب عن التدخل في شؤونهم. ولا بد من أن القذافي نادم لتخليه عن الخيار النووي، فلو كان يملك أسلحة دمار شامل لما تجرأ الغرب على استخدام القوة ضده مهما بلغ حجم جرائمه في ليبيا، إذ إن المهم هو أنه لا يهدد الغرب مباشرة.

·       وسيحاول الحكام الآخرون ألاّ يرتكبوا الخطأ الذي ارتكبه القذافي بتخليه عن الخيار النووي، وستزيد العملية ضد القذافي في إصرار إيران على تطوير السلاح النووي، وسيستنتج حكام آخرون مثل حكام كوريا الشمالية أن سلاحهم النووي سيحصن نظامهم الاستبدادي ضد التدخل العسكري الأجنبي.

·       لو كانت العملية العسكرية ضد القذافي هي بداية نظام عالمي جديد تقوم فيه الدول العظمى بالتدخل بالقوة في ما يجري في دول أخرى من أجل منع المذابح الجماعية، وتطوير أسلحة دمار شامل، ومن أجل الدفاع عن حقوق الإنسان، لكان الوضع اختلف تماماً. فهناك مصلحة كبيرة لإسرائيل في نشوء مثل هذا النظام، لكن لا مجال في المرحلة الحالية له. من هنا فالضرر المترتب على العملية الغربية ضد القذافي أكبر من فائدتها.

·       من الأفضل ألاّ تتخذ إسرائيل موقفاً مما يجري. فلا مجال لتأييد القذافي، إلاّ إنه ليس واضحاً ما إذا كان من سيأتي بعده أقل عداءً لنا. إن إصرار إيران المتزايد على تطوير سلاح نووي أمر سيء بالنسبة إلى إسرائيل. ومن الممكن أن يتوجه الحراك الاجتماعي المتصاعد في المجتمعات العربية ضد إسرائيل في حال لم نحقق انعطافة حادة في سياستنا ونتجه نحو اتفاق سلام إقليمي شامل.