ما هي خيارات السلطة الفلسطينية بعد رسالة أبو مازن إلى نتنياهو؟
المصدر
معهد دراسات الأمن القومي

معهد أبحاث إسرائيلي تابع لجامعة تل أبيب. متخصص في الشؤون الاستراتيجية، والنزاع الإسرائيلي -الفلسطيني، والصراعات في منطقة الشرق الأوسط، وكذلك لديه فرع خاص يهتم بالحرب السيبرانية. تأسس كردة فعل على حرب تشرين الأول/أكتوبر 1973، بقرار من جامعة تل أبيب؛  وبمرور الأعوام، تحول إلى مركز أبحاث مستقل استقطب مجموعة كبيرة من الباحثين من كبار المسؤولين الأمنيين، ومن الذين تولوا مناصب عالية في الدولة الإسرائيلية، بالإضافة إلى مجموعة من الأكاديميين الإسرائيليين، وهو ما جعله يتبوأ مكانة مرموقة بين المؤسسات البحثية. يُصدر المعهد عدداً من المنشورات، أهمها "مباط عال" و"عدكان استراتيجي"، بالإضافة إلى الكتب والندوات المتخصصة التي تُنشر باللغتين العبرية والإنكليزية.

– مباط عال
المؤلف

·       لم يحدث اللقاء المنتظر بين بنيامين نتنياهو وسلام فياض. أمّا بالنسبة إلى اللقاء الذي جمع نتنياهو مع صائب عريقات ورئيس الاستخبارات الفلسطينية، فإن جيمع المؤشرات تدل على أنه لم يثمر عن نتائج حقيقية، ولا يبدو أن هناك حظوظاً لإحراز أي تقدم في العملية السلمية خلال سنة 2012. ويسود الاعتقاد أن الرسالة التي أرسلها أبو مازن إلى نتنياهو هدفها إيجاد الأرضية السياسية والإعلامية للخطوات التي تعتزم السلطة الفلسطينية القيام بها رداً على جمود العملية السلمية. والسؤال الذي يطرح نفسه هو التالي: ما هي الخيارات المتاحة حالياً أمام السلطة الفلسطينية، وما هي البدائل المطروحة على أبو مازن وعلى قيادة "فتح"، وما هي فرص تحققها؟

-         من الممكن أن تحاول السلطة استئناف المفاوضات المباشرة مع إسرائيل، أو السعي لعقد اتفاق، ولو جزئي، معها بمساعدة مصر التي أثبتت قدرتها على هذا الصعيد في أثناء حكم مبارك وبعده. فقد نجحت مصر في التوسط للمصالحة بين "حماس" والسلطة الفلسطينية وبين "الجهاد الإسلامي" وإسرائيل خلال المواجهات التي اندلعت في أواسط آذار/مارس الماضي، وبالتالي، هي قادرة أيضاً على التوسط بين السلطة وإسرائيل. وتجدر الإشارة إلى أن أي اتفاق بين السلطة وإسرائيل لا بد من أن يؤدي إلى إطلاق سراح  عدد من الأسرى، الأمر الذي سيساهم في ازدياد تأييد الجمهور الفلسطيني لحركة "فتح"، كما سيكون له أهمية كبيرة في حال حدوثه قبل الانتخابات في السلطة الفلسطينية.

-         قد تتوجه السلطة الفلسطينية إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة للمطالبة بتثبيت وضعها كدولة مراقبة "غير عضوة"، لكن يُتوقع أن يكون صعباً على السلطة تأمين أغلبية كبيرة في الجمعية العامة لدعم مثل هذا الاقتراح. وتدل هذه الخطوة على استبعاد الزعامة الفلسطينية فكرة الاعتراف من طرف واحد بالدولة الفلسطينية، لأن سيئات هذا الاعتراف أكثر من حسناته.

-         قد تلجأ السلطة إلى المؤسسات الدولية، مثل الأمم المتحدة، من أجل تقديم شكاوى قضائية ضد إسرائيل. وحدوث السيناريو السابق سيسهل عليها القيام بذلك.

-         من المحتمل أن تتخذ السلطة خطوات تصعيدية ضد إسرائيل، مثل البدء بانتفاضة شعبية، وهذا ما يدعو إليه مروان البرغوثي، أحد الزعماء الفلسطينيين البارزين والمرشح لوراثة أبو مازن في رئاسة السلطة.

-         يمكن أيضاً أن تدعو السلطة إلى الكفاح المسلح الشامل، ولا سيما أن لديها الآلاف من رجال الأمن المدربين والمسلحين من أصحاب الخبرة القتالية الذين يعرفون جيداً المنطقة، الأمر الذي سيساعدهم في مواجهاتهم مع إسرائيل. وعلى الرغم من ذلك، من المحتمل جداً ألاّ تكون السلطة ترغب في تعريض قواتها الأمنية لردات فعل الجيش الإسرائيلي، ومثلما فعلت في الماضي ستقوم بالتمييز بين قواتها الأمنية وبين المسلحين الذين يقومون بحرب عصابات وهجمات إرهابية. إن انتهاج السلطة لمثل هذه السياسة سيؤذي صورتها ويلحق بها ضرراً سياسياً. وتجدر الإشارة إلى أن احتمالات تحقق هذا السيناريو ضئيلة للغاية، لأن القيادة الفلسطينية الحالية تتبنى سياسة تعارض عودة العنف وتؤيد النضال الشعبي فقط.

-         وقد تقوم السلطة بعدة خطوات على الصعيدين السياسي والعسكري من شأنها أن تؤدي إلى دفع إسرائيل إلى تفكيك السلطة والسيطرة على الجزء الأكبر من أراضيها. وسيكون هدف السلطة من ذلك استمالة الرأي العالم الدولي والعربي إلى جانبها، والدفع نحو مبادرة دولية أو عربية من أجل استئناف المفاوضات والضغط على إسرائيل، الأمر الذي سيجعل السلطة تعود من جديد إلى مركز الاهتمام الدولي والعربي. وستشكل هذه الخطوة رهاناً صعباً هدفه رفع مكانة السلطة الفلسطينية إلى رتبة دولة من خلال المجازفة بتدمير السلطة وخسارة إنجازاتها كلها.

-         قد تلجأ السلطة الفلسطينية إلى تفكيك نفسها بنفسها من خلال طلب الحماية الدولية أوالعربية، أو من خلال تحميل إسرائيل من جديد مسؤولية الإدارة والسيطرة على مناطق يهودا والسامرة، والدعوة إلى قيام دولة ثنائية القومية على كل أرض إسرائيل. وسيكون هدف السلطة الإثقال على كاهل إسرائيل من خلال تخليها عن كل واجباتها، وخلق الفوضى، حتى لو كان الفلسطينيون هم الذين سيدفعون ثمن ذلك. وفي حال حدوث هذا الأمر سيتم حل القوات الأمنية الفلسطينية، وستستغل "حماس" وسائر التنظيمات المتطرفة، مثل "الجهاد الإسلامي"، الوضع من أجل مهاجمة إسرائيل. كذلك من المنتظر أن يحوّل أفراد الفرق الأمنية، التي كانت تابعة للسلطة، كل غضبهم ضد إسرائيل نتيجة الإحباط وفقدان مصدر رزقهم، الأمر الذي سيشكل خطراً كبيراً .

·       ماذا ستكون ردات الفعل الإقليمية والدولية على هذه السيناريوهات؟ على الأرجح أن الإخوان المسلمين في مصر، على الرغم من علاقاتهم الوثيقة بـ"حماس" وانشغالهم بإيجاد حل للمشكلات الاقتصادية الملحة، فإنهم سيكونون مستعدين للوقوف إلى جانب السلطة الفلسطينية، وستزداد قدرتهم على مساعدتها كلما توطدت سيطرتهم على الحياة السياسية في مصر، ولا سيما إذا ما نجحوا في تاليف حكومة خاضعة لنفوذهم، أو في حال فوز ممثل عنهم بمنصب رئاسة الجمهورية في أيار/مايو المقبل.

·       من ناحية أخرى، من المحتمل أن تهاجم إسرائيل إيران في الأشهر المقبلة من دون موافقة الغرب والولايات المتحدة، الأمر الذي سيلحق الضرر بهذه الدول سياسياً واقتصادياً وعسكرياً وسيوتر علاقات هذه الدول بإسرائيل، وسيؤدي بالتالي إلى عزلتها وإضعاف موقفها، وسيدفع بالسلطة الفلسطينية إلى استغلال ذلك لمصلحتها.

·       في حال خسر باراك أوباما الانتخابات الرئاسية في 6 تشرين الثاني/نوفمبر المقبل، فإن ذلك سيمنحه مدة شهرين آخرين في البيت الأبيض. ومن المعلوم أن أوباما يدعم فكرة الدولة الفلسطينية، إلاّ إن تحفظه الحالي عليها سببه طريقة تصرف الفلسطينيين والانتخابات الرئاسية. وفي حال لم يفز أوباما بولاية ثانية فإنه سيشعر بالإحباط إزاء المسائل التي لم ينجح في حلها، مثل القضية الفلسطينية، وهو يعتقد أن الحكومة الإسرائيلية هي السبب في ذلك، كذلك سيكون أوباما محبطاً نتيجة عدم تصويت يهود الولايات المتحدة إلى جانبه في الانتخابات بالحجم الذي كان يتوقعه. وهذه الأسباب كلها قد تدفعه إلى عدم الوقوف ضد تحرك السلطة الفلسطينية في اتجاه الأمم المتحدة.

في الخلاصة، على إسرائيل أن تستعد لمواجهة هذه السيناريوهات كلها، والعمل على إحباطها وذلك من خلال القيام بمبادرة سياسية بالتنسيق مع الغرب عامة، ومع الولايات المتحدة خاصة.