معهد أبحاث إسرائيلي تابع لجامعة تل أبيب. متخصص في الشؤون الاستراتيجية، والنزاع الإسرائيلي -الفلسطيني، والصراعات في منطقة الشرق الأوسط، وكذلك لديه فرع خاص يهتم بالحرب السيبرانية. تأسس كردة فعل على حرب تشرين الأول/أكتوبر 1973، بقرار من جامعة تل أبيب؛ وبمرور الأعوام، تحول إلى مركز أبحاث مستقل استقطب مجموعة كبيرة من الباحثين من كبار المسؤولين الأمنيين، ومن الذين تولوا مناصب عالية في الدولة الإسرائيلية، بالإضافة إلى مجموعة من الأكاديميين الإسرائيليين، وهو ما جعله يتبوأ مكانة مرموقة بين المؤسسات البحثية. يُصدر المعهد عدداً من المنشورات، أهمها "مباط عال" و"عدكان استراتيجي"، بالإضافة إلى الكتب والندوات المتخصصة التي تُنشر باللغتين العبرية والإنكليزية.
· إن ردة الفعل الإسرائيلية الأولى على أحداث "الربيع العربي" كانت متوترة ولامست حدود الهلع، لكنها كانت مبررة، فأول حاكمين أسقطتهما الثورة العربية – زين العابدين بن علي في تونس وحسني مبارك في مصر - هما وجهان معروفان، إذ شكل مبارك دعامة نظام جعل إحدى الدول العربية المهمة، أي مصر، تنتهج نهجاً سياسياً ملائماً للمصالح الأمنية الحيوية لدولة إسرائيل. لا نقول إن مبارك كان مؤيداً للصهيونية، كما زعم معارضوه في مصر وفي منطقة الشرق الأوسط، لا بل كان أحياناً العكس من ذلك فهو الذي أطلق الحرية لحملة دعائية معادية لإسرائيل وللسامية وللولايات المتحدة الأميركية. لكن على الرغم من هذا كله، كان مبارك يرى أن مصالح مصر القومية تستوجب قيام سلام مع إسرائيل، ومواجهة مع الإسلاميين المتطرفين، وقمعاً حازماً للإرهابيين، وتنسيقاً وثيقاً مع الولايات المتحدة الأميركية.
.......
· ازدادت مخاوف إسرائيل عندما بدأت الصورة تصبح أكثر وضوحاً، وعندما تبين لها أن القوى المستفيدة من سقوط الأنظمة القديمة لا تنتمي إلى معسكر الشباب العلماني والليبرالي من الطبقة المتوسطة، الذي حظي بتغطية كبيرة في وسائل الإعلام الغربية. فالقوى التي تعززت في هذه المرحلة هي الحركات الإسلامية التي قُمعت خلال أعوام عديدة، والتي برهنت عن صمود وصلابة وأقامت شبكات خدمات اجتماعية خاصة بها، ليس فقط في الأحياء الفقيرة في المدن الكبرى بل أيضاً في المناطق الريفية الكبرى، ولم تنل هذه الحركات الإسلامية نصيباً كافياً من التغطية الإعلامية.
· و سرعان ما تبين خطأ الفرضية القائلة إن الثورة تشكل خطراً على الحكام الطغاة والحكام المعتدلين أو البراغماتيين، وكانت هذه الفرضية قد شكلت مصدر قلق لإسرائيل، وزرعت الحماسة في صفوف إيران وحلفائها في المنطقة بمن فيهم النظام السوري. لكن وصول الربيع العربي إلى دول مثل ليبيا، واليمن، وسورية، طرح بجدية احتمال أن يعوض إضعاف أو سقوط أنظمة معادية لإسرائيل الإحباط الذي شعرت به إسرائيل نتيجة إضعاف أو سقوط أنظمة مريحة لها. وقد يكون هذا التعويض كبيراً جداً في حال استيقظت مجدداً الدوافع التي أدت إلى الانتفاضة القصيرة في طهران سنة 2009 (التي شكلت إلى حد ما أولى بشائر "الربيع العربي")، على أن تكون هذه المرة أكثر قوة بحيث تفضي إلى زعزعة النظام في إيران.
· فضلاً عن ذلك، أظهرت الحركات الإسلامية، التي ازدهرت بممارستها النشاط السياسي، بعض سمات الازدواجية في مواقفها المعادية لإسرائيل إذ لم ينعكس العداء لإسرائيل بوضوح على صعيد الممارسة العملية. وعلى الرغم من ذلك، فإن صدقية هذا الاعتدال النسبي أو البراغماتية النسبية للحركات الإسلامية ما زالا موضع تساؤل حتى الآن. فقد يكون هذا الاعتدال النسبي مجرد ضريبة كلامية تستهدف استرضاء جمهور معين في الداخل المصري، أو جماهير وحكومات خارجية خاصة.
· ما العمل؟
· إن المقاربة الإسرائيلية لـ "الربيع العربي" هي أن على إسرائيل أن تواجه تداعيات هذا الربيع بكل إمكاناتها، لكن من دون ادعاء التأثير في مجريات الأحداث، حتى في تلك التي تعنيها كثيراً. وهذه مقاربة في غاية الواقعية، إذ إن اللاعبين الخارجيين، بمن فيهم القوى الدولية الرئيسية كالولايات المتحدة الأميركية، لا يملكون القدرة الكافية لتوجيه تطور الأحداث في الاتجاه الذي يريدونه. ومع ذلك، فإن التأثير الهامشي ليس كالعجز عن التأثير فيما يحدث، وعليه، ينبغي علينا درس إمكانات تحويل التداعيات السلبية للتغييرات السياسية المتوقعة في العالم العربي على إسرائيل نحو اتجاهات أكثر إيجابية على مستوى العلاقات الثنائية وعلى المستوى الإقليمي.
· فعلى مستوى العلاقات الثنائية، تشكل العلاقات مع الأردن مثالاً على ضبط الأضرار ، باعتبار أن النظام في الأردن (على غرار النظام المصري في عهد مبارك) يلائم المصلحة الأمنية لدولة إسرائيل. ونظراً لأن الحركات المعارضة للنظام الأردني تستمد قوتها من الضائقة الاقتصادية، فإن إسرائيل تستطيع، كما أشار عوديد عيران في مقالته، مساعدة [الأردن] في تخفيف الضغط الاقتصادي، وخصوصاً فيما يتصل بمشكلات المياه والوقود.
· أما على المستوى الإقليمي، وفي محاولة لتقليص سوء التفاهم ودحض الأفكار المسبقة المضرة، تستطيع إسرائيل تحسين صورتها الإشكالية في العالم العربي من خلال مقاربة أكثر إيجابية من مبادرة السلام العربية، من خلال إعادة البحث عن نوع من التفاهم الفلسطيني - الإسرائيلي فيما يتصل بالخطوات التي ينبغي القيام بها في سبيل تسوية النزاع.
· طبعاً، لا نضمن أن تحقق هذه المبادرات أهدافها المباشرة أو غاياتها العامة، كما أنها لا تلغي حقيقة أن إسرائيل لا تستطيع تغيير اتجاه التطورات التاريخية الناتجة عن "الربيع العربي". ومع ذلك، فإن كل جهد يُبذل في سبيل نفخ نسمة الربيع النضر في السياسة الخارجية والأمنية لإسرائيل من شأنه أن يكون مجدياً.
* "سنة على الربيع العربي: انعكاسات إقليمية ودولية"، معهد دراسات الأمن القومي، بحث رقم 114، آذار/ مارس 2012.
** باحث في معهد دراسات الأمن القومي، تل أبيب.