[ أجرت الصحيفة مقابلة مع قائد المنطقة الشمالية اللواء يائير غولان (50 عاماً) هي الأولى من نوعها منذ تسلمه منصبه، تحدث فيها عن الأحداث في سورية وانعكاساتها على وضع حزب الله، متوقعاً بقاء الأسد في السلطة هذا العام وربما العام المقبل، محذراً من الهدوء الهش الذي يسود الحدود مع لبنان، ومشيراً إلى أن الجبهة الخلفية في إسرائيل ستكون جزءاً لا يتجزأ من جبهات القتال في أي حرب مقبلة. ننقل أهم ما جاء في هذه المقابلة.]
س: هل تعتقد أنه في حال عدم حدوث مفاجآت سيبقى الأسد في الرئاسة طوال سنة 2012؟
ج: نعم، وأظن أنه سيبقى في منصبه في سنة 2013 كذلك. ومع ذلك سيكون من الصعب عليه السيطرة على الأحداث التي هي أوسع وأعنف من تلك التي واجهها والده في السبعينيات والثمانينيات. لكن من جهة أخرى تجد المعارضة صعوبة في توحيد صفوفها. وفي نهاية الأمر، سيخسر الأسد بسبب زيادة الانشقاقات في الجيش، وعدم تلبية الاستدعاء إلى الخدمة العسكرية الإلزامية، وبسبب الصعوبات الاقتصادية، وتدهور وضع القيادة العليا. إلاّ إن هذا لن يحدث بين يوم وآخر.
س: من هم مستشارو الرئيس الأسد؟ ومن هم الذين يستمع إلى نصيحتهم؟
ج: ما زالت القيادة السورية العليا التي تحيط بالرئيس الأسد هي نفسها، وهي قيادة ذات خبرة كبيرة إلاّ إنها قد لا تملك القدرة المطلوبة التي تخولها النجاح في مواجهة مثل هذا التحدي. وتجدر الإشارة إلى أن ما يحدث اليوم يشبه ما حدث أيام حافظ الأسد، الذي كان صاحب شخصية أقوى من شخصية ابنه وكان محاطاً بأشخاص أكثر شباباً واندفاعاً وحماسة. لذا فإن احتمال أن تنتهي الأحداث الحالية مثلما انتهت الأحداث التي وقعت سنة 1982 هو احتمال ضئيل.
س: ما هو حجم تورط إيران وحزب الله بما يجري في سورية؟
ج: إيران وحزب الله يؤديان دوراً كبيراً من خلال المدربين والمستشارين، والمقاتلين أيضاً.
س: هل تزود إيران سورية بالسلاح؟
ج: نعم، هي تفعل ذلك بانتظام، فالأسد عزيز على قلب الإيرانيين، وهم يدعمونه بقوة. ومن الأسباب التي تدعم صمود الأسد شعوره بأنه ما زال يملك تأييداً داخل أوساطه المقربة، وفي الخارج، ووسط بعض الدول العظمى، إذ يقف مع الأسد حزب الله والإيرانيون والصين وروسيا. لذا هو يعتقد أنه قادر دولياً على استيعاب إدانة جامعة الدول العربية، وما زال يؤمن بأنه من خلال الجمع بين العمل العسكري الوحشي والسياسة الداخلية المحنكة والحرص على عدم إغضاب المجتمع الدولي، يستطيع مواصلة لعبته الدبلوماسية وضمان بقائه في الحكم.
س: ما هو حجم وأهمية الانشقاقات داخل الجيش السوري؟ وهل هناك انشقاقات داخل القيادة العسكرية العليا؟
ج: ثمة أهمية كبيرة للانشقاقات، وهناك آلاف من المنشقين، وهذا مهم في رأيي. هناك عدد من الضباط الكبار، من رتبة عميد وعقيد، تركوا الجيش، بالإضافة إلى صغار الضباط الذين يبلغ عددهم العشرات. وفي رأيي، يشكل هؤلاء مظهراً من مظاهر انهيار النظام.
س: هل لا يزال تهريب السلاح مستمراً؟
ج: إن أكثر ما يقلق الجيش الإسرائيلي اليوم هو تحول سورية إلى دولة فاشلة، أي إمكان تحول الحدود الهادئة مع سورية منذ أكثر من 40 عاماً إلى حدود للإرهاب. فعندما أشاهد تفجيرات تنظيم القاعدة في حلب ودمشق أرى فيها دليلاً على ضعف السلطة. وإذا كانت هذه التفجيرات تدخل في إطار الحرب الأهلية، فإنها غداً قد تستهدف حدودنا، وحينئذ سيزول الخطر الذي يمثله الجيش السوري بالنسبة إلينا ليحل محله خطر الإرهاب.
س: هل لا يزال السلاح المتطور الذي تملكه سورية تحت السيطرة؟
ج: لا يزال تحت السيطرة حتى الآن، لكن مما لا شك فيه أن السوريين ينقلون السلاح المتطور بانتظام إلى حزب الله - تقريباً كل ما لديهم - ومن مصلحة الحزب الحصول على هذا السلاح، فهذه فرصة بالنسبة إليه.
س: هل سيؤدي انهيار النظام في سورية إلى خروج الأمور عن السيطرة فيما يتعلق بالسلاح المتطور؟
ج: منذ أعوام يتواصل انتقال السلاح المتطور من سورية إلى حزب الله، وهذا الأمر مستمر إلى اليوم، ولا شك فيه. وهناك سلاح متطور استراتيجي ينتقل أيضاً من سورية إلى حزب الله، وهذا موضوع يسبب لنا قلقاً كبيراً.
س: هل سيشكل انتقال السلاح الكيماوي الذي تملكه سورية إلى حزب الله ذريعة للحرب؟
ج: ليس هناك تحرك يمكن أن يحدث بصورة تلقائية، بل يجب أن تسبقه تقديرات للوضع، لكن مما لا شك فيه أننا نمر بمرحلة حساسة للغاية، وفي اعتقادي أن التغيير الذي طرأ على الوضع كبير جداً. في الماضي كنا نقول إنه لن يمر عقد من دون حرب كبيرة، أمّا اليوم فنحن أمام مواجهات قد تكون أقل اتساعاً لكنها قد تحل علينا مثل الصاعقة، فمثلاً عندما استيقظنا صباح يوم 12 تموز/يوليو [2006] لم يكن أحد في إسرائيل ولا في حزب الله يعتقد أننا في المساء سنكون في حالة حرب. والدرس الذي علينا استنتاجه هو ضرورة الاستعداد لأي مفاجأة، لأن في استطاعة أي حدث أن يشعل المنطقة خلال ثانية واحدة. وفي اعتقادي أن حصول حزب الله على السلاح الكيماوي من سورية أمر خطر للغاية ولا يمكننا أن نتجاهله.
س: ماذ سيحدث لحزب الله بعد سقوط الأسد؟
ج: في حال وصول نظام سني إلى الحكم في سورية فإنه سيخرج من محور الشر الذي كان يجمع إيران وسورية ولبنان، وسنكون أمام وضع جديد. أمّا بالنسبة إلى حزب الله فهذا سيعني توقف حصوله على السلاح المتطور، واختفاء مراكز إنتاج السلاح، وسيصبح الحزب أكثر عزلة، ولا سيما أن إيران تقع على بعد 1000 كيلومتر.
س: طوال أعوام قلنا إن سورية هي قلعة الاستقرار وإن حزب الله هو الذي يعاني من عدم الاستقرار، لكن ما يحصل اليوم هو العكس، فسورية هي التي في خطر وحزب الله مستقر!
ج: هذا صحيح، لكن استقرار حزب الله ليس ثابتاً. ويجب ألاّ ننسى التغير الذي حصل على مستوى تحمل حزب الله للمسؤولية. إذ يظهر أن الحزب بات أكثر وعياً لمسؤولياته، وبرز ذلك من خلال محاولات الهجمات التي خطط لها في بانكوك، ويبدو أنه فعل ذلك اعتقاداً منه أنها لن تتسبب بحرب ثالثة ضد لبنان. إن حزب الله اليوم لا يشبه حزب الله كما كان في الثمانينيات. ومع ذلك يجب ألاّ نبالغ في تقدير تحمله للمسؤولية، ففي نهاية الأمر يبقى حزب الله تنظيماً إرهابياً يتبنى عقيدة الكفاح المسلح ويبحث عن سبل تحقيقها.
س: ما سبب امتلاك تنظيم إرهابي صواريخ سكود التي تستطيع أن تصل إلى إيلات؟
ج: لا أعتقد أن الموضوع له علاقة بفاعلية هذا السلاح، وإنما له علاقة بالمعنويات. فعندما يقول نصر الله إن صواريخه ستصل الى "ما بعد بعد حيفا" فهو يقصد أبعد مكان في دولة إسرائيل. بالإضافة إلى ذلك، فإن امتلاكه صواريخ سكود يسمح له بنشرها في عمق الأراضي اللبنانية بطريقة تخدم أهدافه الاستراتيجية، الأمر الذي يجعل النار الإسرائيلية أقل فاعلية.
س: هل الهجوم على إيران سيؤدي إلى حرب حتمية مع حزب الله؟
ج: لا أعتقد أن هذا سيحدث بصورة تلقائية، ولا أريد مناقشة الهجوم على إيران، لكن علينا أن نستعد لمواجهة السيناريوهات كلها.
س: هل تعتقد أن نصر الله يفكر بمنطق إيراني أم لبناني؟ أم بمنطق مشترك؟
ج: من المهم بالنسبة إلى نصر الله أن يظهر في صورة اللبناني، إلاّ إنه لا يستطيع أن ينكر علاقاته بإيران، وهو مضطر إلى أن يأخذها في اعتباره. ومن الصعب جداً توقع كيف سيتصرف عندما ستتعارض مصلحته اللبنانية مع المصلحة الإيرانية. بيد أننا كجيش علينا أن نستعد لمواجهة الأسوأ.
س: ما هي دروس حرب لبنان الثانية [تموز/يوليو 2006]؟
ج: يجب ألاّ ننسى أنه على الرغم من التقصيرات العسكرية في هذه الحرب، إلاّ إن إنجازاتها على الصعيد الاستراتيجي واضحة: الدرس الأول، هدوء مستمر على الحدود الشمالية لم نشهد مثله منذ نهاية الستينيات؛ الدرس الثاني، سيتعين علينا، في العملية العسكرية الواسعة النطاق المقبلة ضد لبنان، إزالة الخطر عن جبهتنا الداخلية في أسرع وقت ممكن، ولهذا الغرض يجب استخدام كل قوة الجيش الإسرائيلي، وهذا ما ننوي فعله. في اعتقادي هناك عدم مساواة كبيرة في القوة بيننا وبين حزب الله، ومهمتنا أن نظهر للحزب سيطرتنا على الوضع بقوة وحزم.
س: في مثل هذا الوضع هل سيكون نصر الله وقيادة حزب الله هدفين شرعيين؟
ج: بالتأكيد. إننا مثل كل جيوش العالم ندرس خصمنا ونبحث عن نقاط ضعفه، ومن واجبنا أن نضرب نقاط الضعف هذه بأقسى طريقة ممكنة، وهذا المبدأ سيطبق على كل الأطراف في حزب الله.
س: ما هو الدرس الذي تعلمته من منصبك السابق كقائد للجبهة الخلفية ويمكن أن يساعدك في مواجهة الحرب المقبلة؟
ج: على الإسرائيليين أن يعلموا بأن الجيش سيعمل على إزالة الخطر عنهم في أسرع وقت ممكن. هذا ما نعد به الجمهور. لكن في المقابل نطلب منهم أن يصمدوا. ففي إسرائيل لا يوجد فرق بين الجبهة الخلفية وبين ساحة القتال، وعلى الجميع أن يكونوا أقوياء. كذلك على جميع الإسرائيليين أن يتعلموا كيفية العيش تحت الخطر، ومتابعة حياتهم اليومية في أوقات الطوارىء. لقد نجحنا في هذه التجربة في الماضي، ولا شيء يمنعنا من النجاح فيها اليوم.