على إسرائيل وضع استراتيجيا إقليمية جديدة في ظل تزايد التطرف في العالم العربي
المصدر
معاريف

تأسست في سنة 1948، وخلال العشرين عاماً الأولى من صدورها كانت الأكثر توزيعاً في إسرائيل. مرّت الصحيفة بأزمة مالية خانقة بدءاً من سنة 2011، واضطرت إلى إغلاق العديد من أقسامها، إلى أن تم شراؤها من جديد في سنة 2014.  تنتهج خطاً قريباً من الوسط الإسرائيلي، وتقف موقفاً نقدياً من اليمين.

المؤلف

·       أعادت أحداث الأسبوع الماضي في غزة القضية الفلسطينية عامة، وغزة خاصة، إلى جدول الأعمال. وأظهرت ازدياد نفوذ حركة "حماس" بفعل نمو مكانتها في مصر، وازدياد قوة سائر التنظيمات الفلسطينية التي تحصل على تمويلها من طهران وتتلقى أوامرها المباشرة منها.

·       قبل هذه الجولة من التصعيد، عاد نتنياهو من زيارته للولايات المتحدة حاملاً معه تفهم واشنطن وقلقها وتضامنها بالإضافة إلى تعهدات بضمان أمن إسرائيل. إلاّ إنه عاد أيضاً مع موقف أميركي واضح يرفض خطوة عسكرية إسرائيلية ضد إيران. ويدل تسلسل الأحداث على أن أي عملية إسرائيلية منفردة ضد إيران لن تكون إعلاناً للحرب على إيران فحسب، بل ستؤدي أيضاً إلى نشوب أزمة خطيرة مع الإدارة الأميركية الحالية، التي يبدو أنها هي التي ستستمر في الحكم في الأعوام الأربعة المقبلة.

·       في الواقع، ستظل يد إسرائيل مقيدة حتى تشرين الثاني/نوفمبر المقبل، إذ باتت العقوبات الاقتصادية الآن في عهدة الولايات المتحدة. من هنا، لو تعمقنا في مضمون القرار الذي جرى التوصل إليه بعد زيارة نتنياهو واشنطن، لأدركنا أن خطابه أمام إيباك والكنيست الإسرائيلي، حيث لمّح إلى إمكان شن هجوم إسرائيلي على إيران، هدفه إظهار نجاح زيارته لواشنطن، إلاّ إنه، في المقابل، بيّن معارضة نتنياهو لما جرى الاتفاق عليه.

·       لقد نجح أوباما، الذي يقف على عتبة عام انتخابي، في الاستفادة من اللحظة السياسية من أجل فرض العقوبات على إيران، وإذا نجح في كبح إيران فإن ذلك يمكن أن يخدمه انتخابياً، ولكن من الواضح أنه لن يقدم على أي عمل متطرف من الآن وحتى موعد الانتخابات. وحتى بعد هذا التاريخ، وفي حال لم توقف العقوبات سعي إيران لامتلاك سلاح نووي، فمن المستعبد جداً أن نرى أوباما يشن هجوماً على إيران في كانون الأول/ ديسمبر من هذه السنة ولا في سنة 2013، إذ إن أوباما، الذي خرج من العراق، والذي يخطط لسحب قواته من أفغانستان، لن يقدم على الأرجح على مغامرة عسكرية معقدة ضد إيران، فهو يدرك تماماً أن هذه الحرب لن تكون سريعة، وأنها ستجر وراءها تدخلاً برياً أكثر تعقيداً وتوريطاً من التدخل في العراق وفي أفغانستان.

·       وعلى الأرجح، لن يرغب أوباما، خلال ولايته الثانية، في أن يذكره التاريخ بصفته الرئيس الذي ورّط أميركا في "الوحل الإيراني". استناداً إلى هذه الأسباب كلها، يبدو الاعتقاد أن الإدارة الأميركية الديمقراطية المقبلة ستهاجم إيران خطأ ومجرد وهم.

·       بناء على ذلك، ما هي الإمكانات المتاحة أمام إسرائيل؟ فإذا أخذنا في الاعتبار أن يد إسرائيل ستكون مقيدة ولن تحظى بإجماع أو بتأييد لشن هجوم قريب لها على إيران في حال فشل العقوبات، لا يبقى لها سوى أن تهدد، لكن يتعين على إسرائيل أن تدرك أنه حتى التهديد قد ينقلب ضدها في ظروف معينة. من هنا تحتاج إسرائيل إلى صياغة استراتيجيا إقليمية خاصة بها. ففي ظل التطورات من حولنا، التي تؤدي إلى مزيد من التطرف في العالم العربي، وفي الوقت الذي تحظى فيه غزة بدعم مصري وإيراني، ومع اختفاء الأنظمة العربية المعتدلة أو على الأقل التي كانت قوية، فضلاً عن الغموض وازدياد خطر عدم الاستقرار، وتقلص هامش الرد الإسرائيلي على تحول إيران إلى دولة نووية، وضعف نفوذ الولايات المتحدة الأميركية في المنطقة، لا يبقى أمام إسرائيل سوى البحث عن حوافز جديدة يمكن أن تبني عليها نفوذها الإقليمي.

·       من بين هذه الحوافز الاستراتيجية المهمة التي يمكن لإسرائيل أن تعتمد عليها مخزون الغاز في حوض البحر المتوسط، إذ يبدو أن إسرائيل قد أهملت حتى الآن الأهمية الكامنة في هذا المخزون. إن إقامة علاقات مع قبرص واليونان وبلغاريا لا تشكل حلفاً إقليمياً مهماً، وهي تدل على الضعف أكثر مما تدل على القوة.

·       إن للغاز أهمية إقليمية ودولية كبيرة، وتشمل دائرة المصالح المتعلقة بالغاز في لبنان ومصر وتركيا وأوروبا وروسيا، وفي الدائرة الأوسع تدخل أيضاً الهند واليابان والصين. إن المبادرة إلى قيام تعاون إقليمي واسع من شأنها أن تجعل من إسرائيل قوة عظمى في مجال الطاقة وذات أهمية استراتيجية تتيح لها تغيير الخريطة الإقليمية بصورة جذرية.

فعلى سبيل المثال، قد لا يشكل تزويد الهند بالغاز الإسرائيلي بديلاً من النفط الإيراني، لكن يمكنه، مع التعاون الأميركي، أن يشكل ثقلاً مضاداَ مهماً في وجه إيران. كما يمكن العمل على إيجاد تعاون إقليمي مع لبنان وتركيا.