"الربيع العربي" فاقم ضعف الأنظمة العربية وساهم في تقوية التنظيمات الإرهابية
المصدر
هآرتس

من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".

المؤلف

·       تشعر الدول الغربية وإسرائيل بالقلق بسبب صعود نفوذ التنظيمات الإسلامية المتطرفة في الدول العربية نتيجة "الربيع العربي"، الأمر الذي من شأنه أن يعرض العلاقات مع إسرائيل للخطر. لكن إلى جانب ذلك يتعين علينا الانتباه إلى نتيجة ثانية لـ "الربيع العربي" لا تقل أهمية عن الأولى، وهي الضعف الداخلي الذي أصاب عدداً من الأنظمة العربية.

·       تعتبر ظاهرة الدول الضعيفة من الظواهر التي برزت خلال العقود الأخيرة، والمقصود بذلك الدول التي ضعفت فيها السلطة المركزية بحيث باتت غير قادرة على السيطرة على كامل أراضي الدولة، وهو ما أدى إلى أن يحل محلها تنظيمات لا تخضع لإرادتها، وبعض هذه التنظيمات عبارة عن ميليشيات مسلحة تتقاتل فيما بينها أو تقاتل النظام، وجزء آخر منها عبارة عن منظمات إجرامية. ويوجد في العالم الثالث عشرات الدول التي يمكن تصنيفها بأنها دول فاشلة، ومن أبرز الأمثلة على ذلك في الشرق الأوسط: أفغانستان وباكستان والعراق والصومال والسودان ولبنان. وتجدر الإشارة إلى أن ضعف هذه الدول يؤدي إلى تحول المنطقة إلى مصدر للإرهاب والعنف.

·       يتحمل سكان هذه الدول الضعيفة العبء الأكبر من هذه المشكلة، فهم لا يحظون بالحماية من جانب النظام الذي يعجز عن تقديم الخدمات الأساسية، ولا يقدر على مواجهة مشكلة الفقر ولا على المحافظة على مستوى معقول من الأمن الداخلي. ناهيك عن أن هذه الدول الضعيفة هي السبب الأساسي لظاهرة اللاجئين الذين يبحثون عن دولة تقدم لهم الملاذ السياسي والعمل.

·       تستغل التنظيمات الإرهابية، مثل تنظيم القاعدة، هذا الأمر كي تبني في هذه الدول الضعيفة قاعدة لقواتها العملانية ولتنفيذ هجماتها. وبهذه الطريقة، بنت القاعدة قواعدها على الحدود بين أفغانستان وباكستان، كما سمح ضعف الدولة المركزية للقراصنة الصوماليين بخطف السفن في المحيط الهندي، وهذا ما فعله البدو في سيناء عندما استغلوا الفراغ الحاصل وأنشأوا بنية تحتية من أجل تهريب السلاح والقيام بهجمات ضد إسرائيل. ويسمح الفراغ الناشىء في هذه الدول الضعيفة بتدخل الدول الأجنبية في سياستها الداخلية بواسطة تدفق الأموال والسلاح، على إقامة علاقات مع التنظيمات المحلية واستخدامها لاحقاً.

·       لقد فاقم "الربيع العربي" ظاهرة الدول الضعيفة، الأمر الذي إدى إلى خسارة عدد من الأنظمة العربية لاستقرارها وقوتها. كذلك أدى "الربيع العربي" إلى سقوط ثلاثة أنظمة، وما زال هناك نظامان يدافعان عن بقائهما. صحيح أن الحكام العرب الذين سقطوا كانون من الطغاة المستبدين، لكنهم كانوا يتمتعون بالقوة، واستطاعوا السيطرة جيداً على دولهم. في المقابل نجد أن السلطة الجديدة التي حلت محلهم منقسمة على نفسها ومشرذمة وعاجزة عن فرض القانون والنظام وتسعى لإرضاء الجمهور.

·       فعلى سبيل المثال، لا وجود لقيادة واضحة في مصر قادرة على فرض إرادتها، فلم يستطع النظام الجديد منع مهاجمة السفارة الإسرائيلية في القاهرة، وهذا أمر لم يكن ممكناً أن يحدث في أيام حسني مبارك.

·       إن ضعف الأنظمة العربية الجديدة قد يستمر أشهراً وربما أعواماً، وذلك لعدة أسباب، منها: صراع على النفوذ داخل الأنظمة الجديدة؛ غياب زعامة معروفة وقادرة على تحمل المسؤولية؛ حاجة هذه الأنظمة الجديدة إلى الوقت كي تبني قوتها وتحظى بالشرعية؛ بروز قوة الجماهير؛ صعود الميليشيات المسلحة؛ نضال أنصار النظام السابق من أجل الحصول على مواقع لهم داخل النظام الجديد.

·       ومما لا شك فيه أن هذا سينعكس سلباً على عدد من الدول، بينها إسرائيل. إذ من الممكن أن يتحول عدد من هذه الدول الضعيفة إلى حاضن للتنظيمات الإرهابية. فما حدث في العراق ولبنان وسيناء  يمكن أن يحدث في اليمن وليبيا، ويتعين علينا أن نفكر فيما قد يحدث في سورية - حيث لا يزال الهدوء مسيطراً حتى الآن على هضبة الجولان - في حال تحولت إلى دولة فاشلة لا يوجد فيها سلطة واضحة المعالم.

·       في النهاية، سيؤثر ضعف الأنظمة أيضاً في علاقات السلام مع إسرائيل، ومعلوم أن هذا السلام لا يتمتع بشعبية في الشارع العربي، لا في مصر ولا في الأردن، وقد جرى فرضه من جانب النظام في البلدين. وعندما ستضعف هذه الأنظمة فإن السلام أيضاً سيضعف.