إذا كانت إسرائيل غير راضية عن أوباما فلماذا لا تقصف سورية بنفسها؟
المصدر
هآرتس

من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".

المؤلف

 

  • إن سرب طائرات 109 في سلاح الجو المعروف باسم "طائرات العمق" موجود في قاعدة رامات دافيد، وهو مجهز بطائرات أف 16 ذات المقعدين ("برق"). وفي استطاعة هذه الطائرات القيام بمهمات هجومية في النهار والليل، وهي مزودة بمجموعة من الذخائر الذكية التي تضمن إصابات دقيقة للأهداف. واستناداً إلى موقع السرب [على الشبكة العنكبوتية]، فخلال عملية "عمود سحاب" في غزة، هاجمت الطائرات الحربية عشرات الأهداف في قطاع غزة مثل مواقع إطلاق صواريخ القسام، والمخربين الذين حاولوا إطلاق النار على إسرائيل، ومخازن السلاح الصاروخي ومنظومات إطلاق الصواريخ المتوسطة والبعيدة المدى الموجودة تحت الأرض. وفي تقديرنا أن قادة ومقاتلي سرب 109 يعرفون "بنك الأهداف" في الجانب السوري من الحدود، وكيفية الوصول إليها.
  • تشهد سورية منذ عامين ونصف العام حرباً أهلية شرسة، ينتهك خلالها نظام بشار الأسد المتوحش بصورة منهجية قواعد الحرب من خلال القصف العشوائي للسكان، وأخيراً من خلال استخدام السلاح الكيميائي.
  • في الأيام الأخيرة يحتج زعماء إسرائيل ولا سيما الناطقين باسم اليمين، على المجزرة التي تحدث ما وراء الحدود منتقدين العالم الذي لم يحرك ساكناً من أجل وقف أعمال القتل وطرد الأسد المجرم من منصبه.
  • ما تجدر الإشارة إليه، أنه حتى الفترة الأخيرة أيد بنيامين نتنياهو والمؤسسة الأمنية الأسد بالتزام صمت، بوصفه الدرع الأكيد في وجه الإسلام المتشدد في سورية. لكن الأجواء تبدلت اليوم، وتحول الأسد إلى هتلر جديد أمام "عالم صامت" تماماً مثلما صمت العالم أمام أفران الغاز المشتعلة في أوشفيتس. فما العمل؟
  • إن الحل سهل وواضح، إذ لدى زعماء إسرائيل جيش قوي وسلاح طيران متطور، وإذا شاؤوا يستطيعون بسهولة استخدامهما لضرب الأهداف الاستراتيجية في سورية ولا سيما بعد الأعوام الطويلة من المراقبة الاستخباراتية الدقيقة ومن التخطيط العملاني الصارم. واستناداً إلى مصادر أجنبية، فقد هاجم سلاح الجو الإسرائيلي خلال السنة الأخيرة عدة أهداف في سورية بدقة متناهية ومن دون خسائر أو إصابات في الطائرات أو في الطواقم الجوية. وبناء على ذلك، في استطاعة السياسيين إصدار الأوامر للطيارين للقيام بالمهمة ويعرف هؤلاء جيداً الطريق إلى النقاط المحددة هدفاً لهم.
  • لكن على الرغم من ذلك، وحتى بعد تجاوز "الخط الأحمر" واستخدام السلاح الكيميائي لقتل المدنيين في سورية، فإن السرب 109 لا يزال يواصل حياته اليومية الروتينية. ولم يطلب أحد من طياريه وضع حد لجنون الأسد القاتل والقضاء مرة واحدة وإلى الأبد عليه وعلى قيادته وعلى سلاح جوه وفرقة المدرعة ومصانع السلاح ومواقع الصواريخ ومخازن السلاح الكيميائي.
  • إذا كانت الدعوة إلى التدخل في سورية تنبع من اعتبارات أخلاقية مثلما يدعي المؤيدون لها، فإنه يتعين على إسرائيل التي نشأت من رحم الكارثة النازية،  تقديم نموذج للعالم وإرسال السرب 109 لتوجيه ضربة قاضية إلى الحرس الرئاسي والحرس الجمهوري وسائر فرق "إس إس" التابعة لنظام "هتلر السوري"، كما يمكن في الوقت عينه ضرب الوحدات البرية التابعة لحزب الله التي تقاتل إلى جانب الأسد.  وعلى الرغم من الخطورة الكبيرة التي ينطوي عليها ذلك، فمن الأكيد أن الولايات المتحدة ستقدم دعمها الكامل لمثل هذه العملية وستقوم بملء مخازن ذخيرة الجيش الإسرائيلي من جديد. إن القضاء على السلاح الاستراتيجي وعلى القيادة السورية بدعم دولي، سيزيل الخطر السوري عن إسرائيل لأعوام طويلة وسيحرم إيران أهم حليف لها قبيل الهجوم الإسرائيلي على المنشآت النووية الإيرانية.
  • لكن المواعظ الأخلاقية تتوقف عند هذا الحد. "ليس من مصلحة إسرائيل أن تتدخل في سورية، لذا يجب على الأميركيين أن يفعلوا ذلك وليس نحن"، هذا ما تقوله أوساط مكتب رئيس الحكومة ووزير الدفاع ورئيس الأركان، وهو ما يقال داخل صفوف اليمين في الكنيست وفي وسائل الإعلام المقربة منهم. وعندما لا يتحرك الأميركيون يصفون الرئيس أوباما بالخرقة البالية وبالجبان العاجز حتى عن مهاجمة نظام الأسد المتداعي. ويتساءلون في إسرائيل كيف سيكون بإمكان هذا الضعيف مواجهة الإيرانيين. لقد جرى تجاوز الخط الأحمر الذي وضعه أوباما بنفسه، والآن ماذا سيجري؟
  • على الذين ينتقدون الرئيس أوباما في إسرائيل العودة إلى أنفسهم وأن يتساءلوا لماذا لم يفعل نتنياهو ووزير الدفاع موشيه يعلون ورئيس الأركان بيني غانتس وقائد سلاح الجو أمير أشل شيئاً؟ وإذا كان لا يجوز الصمت حيال ما يحدث في سورية، لماذا الحياة في السرب 109 هادئة؟ وإذا كانوا لا يريدون استخدام سلاح الجو فقد كان في إمكانهم فتح الحدود في الجولان أمام اللاجئين من سورية، وليس فقط معالجة بعض الجرحى الذين حالتهم صعبة. لقد كان في الإمكان القيام بحملة دولية لتزويد المعارضين للأسد بالأقنعة الواقية والأدوية. كما كان في الإمكان نشر المعلومات التي جمعتها الاستخبارات الإسرائيلية عن جرائم الحرب في سورية والكشف عن الوجه الحقيقي لجزار دمشق من أجل تشجيع عملية دولية ضده. لكن شيئاً من هذا كله لم يحدث.
  • إن امتناع إسرائيل عن القيام بعملية عسكرية مفهوم وصحيح. فهناك أسباب كثيرة تدفع إسرائيل إلى عدم استخدام طائراتها والتركيز على الدفاع عن حدودها بدلاً من التدخل في حروب الآخرين. لكن لذي يتجاهل الأخلاق دفاعاً عن المصالح، عليه أن يعترف بأن للأميركيين والفرنسيين والبريطانيين والألمان مصالحهم أيضاً، وأنهم هم أيضاً لا يرغبون في التحرك إلا عندما تكون حظوظ نجاحهم كبيرة.