معهد أبحاث إسرائيلي تابع لجامعة تل أبيب. متخصص في الشؤون الاستراتيجية، والنزاع الإسرائيلي -الفلسطيني، والصراعات في منطقة الشرق الأوسط، وكذلك لديه فرع خاص يهتم بالحرب السيبرانية. تأسس كردة فعل على حرب تشرين الأول/أكتوبر 1973، بقرار من جامعة تل أبيب؛ وبمرور الأعوام، تحول إلى مركز أبحاث مستقل استقطب مجموعة كبيرة من الباحثين من كبار المسؤولين الأمنيين، ومن الذين تولوا مناصب عالية في الدولة الإسرائيلية، بالإضافة إلى مجموعة من الأكاديميين الإسرائيليين، وهو ما جعله يتبوأ مكانة مرموقة بين المؤسسات البحثية. يُصدر المعهد عدداً من المنشورات، أهمها "مباط عال" و"عدكان استراتيجي"، بالإضافة إلى الكتب والندوات المتخصصة التي تُنشر باللغتين العبرية والإنكليزية.
· في إثر "ثورة الأرز" في لبنان سنة 2005، التي أدت إلى انسحاب القوات السورية من لبنان وانتهاء عهد "الوصاية" السورية، تحدث العديد من المحللين عن لبنان بصفته نموذجاً محتملاً للتجربة الديمقراطية في الشرق الأوسط، وأعربوا عن أملهم بأن تتحقق هذه التجربة في دول أخرى في المنطقة. لكن تبين فيما بعد، وخلال الأعوام المنصرمة، أن "ثورة الأرز" لم تؤد إلى انقلاب حقيقي في الحياة السياسية اللبنانية.
· في الفترة الأخيرة، أي في بداية سنة 2011 وما يسمى بـ "الربيع العربي"، برز غياب لبنان، الذي شهد في الفترة ذاتها، عملياً، النهاية السياسية للقوى التي كانت في أساس "ثورة الأرز"، وقيام حكومة "موالية لسورية" وخاضعة خضوعاً كاملاً لحزب الله. وعلى الرغم من عدم تغير الحياة السياسية اللبنانية نتيجة "الربيع العربي"، إلاّ إنه ليس دقيقاً الاستنتاج أن الثورات العربية لن تترك أثرها على لبنان.
· أولاً، أدت الثورات في المنطقة عامة، وتصاعد النزاع الداخلي في سورية خاصة، إلى زيادة الاستقطاب السياسي في لبنان. فوقفت حركة 14 آذار، وعلى رأسها زعيم تيار المستقبل سعد الحريري والطائفة السنية في لبنان، إلى جانب المعارضة السورية ضد الأسد. في المقابل، وقف ممثلا الطائفة الشيعية، حزب الله وحركة أمل، وحلفاؤهم في السياسة، موقفاً مضاداً، فدعموا النظام السوري وشنوا حملة تشهير ضد المتظاهرين. وأدى تدهور الأوضاع في سورية إلى زيادة التوتر في العلاقات بين السنة والشيعة في لبنان.
· ثانياً، لقد أوجدت الأزمة السورية بعض المشكلات للحكومة اللبنانية. إذ أدى دعم حزب الله الكبير لحليفه الأسد إلى نشوء احتكاكات بينه وبين بعض حلفائه السياسيين بمن فيهم رئيس الحكومة نجيب ميقاتي، والزعيم الدرزي وليد جنبلاط، لأنهما لم يظهرا دعمهما الكبير لنظام الأسد.
· ثالثاً، ثمة تأثير أمني مباشر للأحداث السورية على لبنان، وقد برز ذلك من خلال إطلاق النار على الحدود السورية - اللبنانية، وموجة النازحين السوريين إلى لبنان، وخطف معارضين للنظام السوري في لبنان، وتزايد عمليات الاعتداء على قوات اليونيفيل.
· في النهاية، لم يتأثر لبنان اقتصادياً بالأزمة السورية، ولا بالعقوبات التي فُرضت على نظام الأسد، مع أن ثلث التجارة الخارجية اللبنانية تتم مع سورية أو عبرها. ويمكن القول إنه على الرغم من الكلام على "حصانة" لبنان في وجه التغيرات الإقليمية المتواصلة، فإنه من الممكن أن نشعر بـ "الربيع العربي" جيداً داخل لبنان، بسبب العلاقات الاقتصادية والسياسية والجيو - استراتيجية الوثيقة والطويلة الأمد مع سورية. وسيظل مستقبل لبنان السياسي متأثراً بوضوح بالتطورات السورية.
· إن السيناريو المتوقع على المدى القصير بالنسبة إلى سورية هو استمرار العنف الداخلي، ولا سيما في غياب التدخل الدولي الفاعل. لكن لا يبدو حتى الآن أن في استطاعة أي من الطرفين حسم الوضع لمصلحته، فلا الأساليب القمعية التي يمارسها الأسد، ولا المعارضة التي تشهد تصاعداً في التأييد الشعبي على الرغم من انقسامها، قادرتان على الحسم. ومعنى ذلك بالنسبة إلى لبنان مواصلة معاناته على الصعيدين الأمني والاقتصادي، وعلى صعيد وحدته الوطنية.
أما على المدى البعيد، فإن احتمال سقوط نظام الأسد في سورية سيكون له تأثير كبير على لبنان، إذ سيؤدي رحيل بشار الأسد ومجموعته إلى إعادة اصطفاف للقوى السياسية في لبنان، وإلى إعطاء زخم جديد للقوى التي قادت "ثورة الأرز". كما أن حزب الله سيخسر، من دون حليفه السوري، بعضاً من رصيده السياسي ومن قوته الشعبية. ولكن من شبه المؤكد أن في إمكان حزب الله مواجهة مثل هذه الأزمة السياسية في حال حدوثها، وذلك بفضل تفوقه العسكري، وتحالفه الاستراتيجي مع إيران، وقدرته على التموضع من جديد، والتأقلم مع تغير الظروف.