في انتظار اندلاع الانتفاضة الثالثة في الضفة الغربية
المصدر
هآرتس

من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".

المؤلف

·       أخيراً، توصلت أوساط في حزب الليكود واليمين المعتدل إلى صيغة للحديث عن النزاع الإسرائيلي – الفلسطيني. فمن الآن وصاعداً لن يقال "حل النزاع" (Conflict resolution)، وإنما إدارة النزاع (Conflict management). والتبريرات التي أعطيت لذلك كثيرة وحقيقية، من الكلام على الانقسام بين "حماس" و"فتح"، إلى الفجوة الكبيرة في المواقف بين الحكومة الإسرائيلية والسلطة الفلسطينية إزاء الموضوعات الجوهرية، وانتهاء بذريعة عدم وجود شريك فلسطيني يمكن التفاوض معه.

·       يرى اليمين أن جميع هذه الأسباب لا تسمح بحل النزاع والتوصل إلى اتفاق سلام مع الفلسطينيين، من هنا يجب التركيز على المحافظة على الوضع القائم، أي مواصلة دعم الاقتصاد الفلسطيني، وتسهيل شروط الحياة على السكان، وتقديم مبادرات حسن نية إلى السلطة، مثل إزالة الحواجز (من دون إطلاق سراح أسرى اعتقلوا قبل اتفاقات أوسلو).

·       في هذه الأثناء، قام وزير المواصلات يسرائيل كاتس بوضع مخطط مشروع خط للقطارات يخدم الضفة الغربية. أمّا نفتالي بنط،المدير العام السابق لمجلس يهودا والسامرة، فقد اقترح مخططاً سياسياً مرحلياً حمل اسم"خطة للتهدئة - مخطط عملي لإدارة النزاع الإسرائيلي – الفلسطيني"، ويقوم الاقتراح على فكرة تبدو منطقية مفادها أنه في ظل تعذر التوصل إلى حل للنزاع أو إلى ضم الضفة الغربية كما هي الآن، فإن على إسرائيل أن تضم من طرف واحد المنطقة ج، وأن تمنح السكان الفلسطينيين المقيمين بهذه المنطقة، والبالغ عددهم 55,000 نسمة، الهوية الإسرائيلية الكاملة.

·       بيد أن المشكلة في الأفكار التي يطرحها بنط وكاتس وسائر المؤيدين لفكرة إدارة النزاع، هي أنهم يتصرفون بصورة أحادية، إذ لا وجود لموقف الفلسطينيين في كل هذه الأفكار. هل سيقبل الفلسطينيون بضم أكثر من 60٪ من أراضي الضفة إلى إسرائيل ويكتفون في مقابل ذلك بالانتقال من مكان إلى آخر في الضفة من دون وجود حواجز وجنود إسرائيليين؟

·       إن المشكلة الحقيقية في هذا كله تعود إلى أنه منذ استقرار الوضع الأمني في الضفة الغربية، يتجاهل الجمهور ووسائل الإعلام في إسرائيل المشكلة الفلسطينية، ويجري التركيز على أخبار متفرقة من المناطق مثل، افتتاح مسرح جديد، ولعبة كرة قدم، وسباق للسيارات، وحتى فتح فرع جديد لمطعم الوجبات السريعة "كنتاكي فرايد تشيكن" في رام الله. ولم يعد هناك ما يقال بشأن حل النزاع، فضلاً عن عدم وجود مَن يمكن التحاور معه في هذا الشأن. ومع استمرار الهدوء الحالي في الضفة،  يتعين على إسرائيل تشجيع استمرار الوضع الراهن.

·       لكن في الأسابيع الأخيرة بدأ يبرز تحول سلبي في الوضع الأمني في الضفة، وبدأت تظهر بوادر غليان وسط الجمهور الفلسطيني الذي وقف منذ سنة 2007 (أي منذ الانقلاب الذي نفذته  "حماس" في غزة) موقف اللامبالي. وقد نجح الإضراب عن الطعام الذي أعلنه خضر عدنان، عضو الجهاد الإسلامي، في إخراج المئات إلى الشوارع للتظاهر، وأدى الإعلان الذي نشرته إحدى المنظمات اليمينية على الإنترنت بشأن جبل الهيكل إلى حدوث إضرابات هي الأشد من نوعها في الأعوام الأخيرة.

·       إن الافتراض أن تحسن الاقتصاد الفلسطيني سيشكل ضمانة ضد نشوب انتفاضة ثالثة لم يعد صحيحاً. فالنمو الذي ظهر في الضفة في الأعوام الأخيرة بدأ يتباطأ، ووحدها طبقة صغيرة من رجال الأعمال ومن حيتان المال ما زالت تستفيد من "السلام الاقتصادي". ومن المتوقع تصاعد هذا المنحى في المجال الاقتصادي، مع تقدم مساعي المصالحة الفلسطينية الداخلية (المتوقفة حالياً بسب الأزمة داخل "حماس")، ومع استمرار جمود العملية السياسية، ومع ازدياد الغضب الشعبي والإحباط. ومن المحتمل أن تؤدي إقامة مزيد من الحواجز أو قيام المستوطنين بأعمال عنف ضد الفلسطينيين إلى جولة عنف جديدة.

·       لا حلول مطروحة حالياً للنزاع، وهذا يعود بصورة خاصة إلى عدم وجود رغبة لدى زعماء الطرفين في التوصل إلى تسويات مؤلمة قد تؤدي إلى خسارتهم مناصبهم، وليس مردها أن هذا  الحل غير موجود. ولا شك أن تجاهل القيادتين الفلسطينية والإسرائيلية الحاجة الملحة إلى حل النزاع، وتبادل الاتهامات فيما بينهما، من شأنه أن يقرب موعد اندلاع الانتفاضة الثالثة.